صورة مادية قائمة في عضو مادي، أو صورة ميتافيزيقية مجردة عن المادة؟ ومرة أخرى نجد أنفسنا مضطرين إلى الأخذ بوجهة النظر الميتافيزيقي لأن هذه الصورة بخصائصها وامتدادها آلاف الأمتار، لا يمكن ان توجد في عضو مادي صغير، كما لا يمكن ان توجد على ورقة صغيرة، فيجب اذن ان تكون صورة مجردة عن المادة.
هذا ما يتصل بظاهرة الخصائص الهندسية للصورة العقلية المدركة.
2 - (وأما الظاهرة الثانية) التي يتاح لمفهومنا الفلسفي ان يرتكز عليها. فهي ظاهرة الثبات، ونعني بها ان الصورة العقلية المدركة تميل إلى الثبات، ولا تتغير طبقا لتغيرات الصورة المنعكسة، على الجهاز العصبي. فهذا قلم إذا وضعناه على بعد متر واحد منا، انعكست عنه صورة ضوئية خاصة، وإذا ضاعفنا المسافة التي تفصلنا عنه، ونظرنا اليه على بعد مترين، فان الصورة التي يعكسها سوف تقل إلى نصف ما كانت عليه، في حالتها الأولى، مع ان ادراكنا لحجم القلم لن يتغير تغيرا يذكر، أي أن الصورة العقلية للقلم التي نبصرها، تبقى ثابتة بالرغم من تغير الصورة المادية المنعكسة. وهذا يبرهن بوضوح، على ان العقل والادراك ليس ماديا، وان الصورة المدركة ميتافيزيقية. ومن الواضح ان هذا التفسير الفلسفي لظاهرة الثبات لا يتعارض مع أي تفسير علمي لها يمكن ان يقدم في هذا المضمار. فيمكنك ان تفسر الظاهرة، بأن ثبات الموضوعات المدركة - في مظاهرها المختلفة - يرجع إلى الخبرة والتعلم كم يمكنك ان شئت ان تقول - في ضوء التجارب العلمية - ان هناك علاقات محددة بين الثبات في مختلف مظاهره، والتنظيم المكاني للموضوعات الخارجية التي ندركها. فان هذا لا يعني حل المشكلة من ناحية فلسفية، إذ ان الصورة المبصرة - التي لم تتغير طبقا للصورة المادية، بل ظلت ثابتة بفضل خيرة سابقة، أو بحكم تنظيمات مكانية خاصة - لا يمكن ان تكون هي الصورة المنعكسة عن الواقع الموضوعي، على مادة الجهاز العصبي، لان هذه الصورة المنعكسة تتغير تبعا لزيادة البعد، بين العين والواقع، وتلك الصورة المبصرة ثابتة.