مراكز الذوق، والشم، والسمع الخاصة، فتقوم في الفص الصدغي، في حين تقوم المراكز البصرية في الفص المؤخري، إلى غير ذلك من التفاصيل.
ويستعمل عادة للتوصل إلى الحقائق الفيزيولوجية في الجهاز العصبي، أحد المنهجين الرئيسيين في الفيزيولوجيا: الاستئصال، والتنبيه ففي المنهج الأول تستأصل اجزاء مختلفة من الجهاز العصبي، ثم تدرس تغييرات السلوك الناجمة عن ذلك. وفي المنهج الثاني تنبه مراكز محدودة في لحاء المخ بوسائل كهربائية. ثم تسجل التغيرات الحسية أو الحركية، التي تنجم عن ذلك.
ومن الواضح جدا ان الفيزياء والكيمياء والفيزيولوجيا، لا تستطيع بوسائلها العلمية، وأساليبها التجريبية، الا أن نكشف عن أحداث الجهاز العصبي، ومحتواه من عمليات وتغيرات. وأما تفسير الادراك في حقيقته وكنهه فلسفيا، فليس من حق تلك العلوم، إذ لا يمكن لها ان تثبت ان تلك الاحداث المعينة، هي نفسها الادراكات التي نحسها من تجاربنا الخاصة. وانما الحقيقة التي لا يرقى إليها شك ولا جدال، هي ان هذه الاحداث والعمليات الفيزيائية والكيميائية والفيزيولوجية، ذات صلة بالادراك، وبالحياة السيكولوجية للانسان، فهي تلعب دورا فعالا في هذا المضمار الا أن هذا لا يعني صحة الزعم المادي، القائل بمادية الادراك. فان فرقا واضحا يبدو، بين كون الادراك شيئا تسبقه أو تقارنه عمليات تمهيدية في مستويات مادية. وبين كون الادراك بالذات ظاهرة مادية، ونتاجا للمادة في درجة خاصة من النمو والتطور، كما تزعم الفلسفة المادية.
فالعلوم الطبيعية - اذن - لا تمتد في دراستها إلى المجال الفلسفي - مجال بحث الادراك في حقيقته وكنهه - بل هي سلبية من هذه الناحية. بالرغم من قيام المدرسة السلوكية في علم النفس، بمحاولة تفسير حقيقة الادراك والفكر، في ضوء الكشوف الفيزيولوجية، وخاصة الفعل المنعكس الشرطي، الذي يؤدي تطبيقه على الحياة السيكولوجية، إلى نظرة آلية خالصة تجاه الانسان، وسيأتي الحديث عن ذلك.