(وثانيها) أن النحل تبني البيت البيت المسدس المشتمل على الحكم التي لا يهتدي إليها إلا المهندسون، وكذا بيت العنكبوت المشتمل على الترتيب العجيب والغاية منه، وكذلك باقي الحيوانات تأتي بالأفعال العجيبة التي يعجز عنها كثير من الأذكياء، مع أنه ليس لشئ منها علم.
سلمناه، لكنه معارض بما أن العلم إن لم يكن صفة كمال وجب تنزيه الله تعالى عنه، وإن كان تعالى بدون تلك الصفة ناقصا بذاته مستفيدا للكمال من غيره.
هذا محال، لأنا نجيب عن الأول بأنا نعني به الترتيب العجيب كترتيب الأجرام العلوية ونضدها والتأليف اللطيف كأجزاء بدن الإنسان موافقة لمنافعه، والعلم باستلزام ذلك العلم الفاعل بديهي.
قوله " هو منقوض بأفعال نائم والساهي " قلنا: لا نسلم كونهما غير شاعرين بما يصدر عنهما. نعم لا يكونان شاعرين بشعورهما بذلك.
(وعن الثاني) أنه بديهي، ولا نسلم أن الجاهل بالشئ يصدر عنه على وجه الأحكام، بل يكون عالما به من جهة ما هو محكم، وكذلك النحل والعنكبوت وسائر الحيوان لا نسلم أنها غير شاعرة بآثارها، بل كل منها شاعر بما يصدر عنه.
(وعن الثالث) إن العلم بصفة كمال وسنبين في واجب الوجود أنها نفس ذاته، وحينئذ لا يكون مستفيدا للكمال من غيره.
وأما المنكرون لكونه تعالى عالما فإنهم لما فسروا العلم بأنه حصول صورة مساوية للمعلوم في ذات العالم قالوا: لو كان تعالى عالما بغيره للزم أن يحصل له في ذاته صورة غيره، فتلك الصورة إن كانت منه كانت ذاته قابلة فاعلة لها،