ومبعدا عن المعصية، فثبت أن نصب الإمام لطف في أداء الواجبات. وأما كونه من فعل الله فلما سنبين أن هذا الإمام لا يجوز عليه الاخلال بالواجب ولا فعل القبيح، فحينئذ لا يمكن أن يكون نصبه إلا من فعل الله، لأنه القادر على تمييز من يجوز وقوع المعصية منه عن غيره لاطلاعه على السرائر دون غيره.
وأما الكبرى فلأنا لو لم يجب منه تعالى وجود ذلك اللطف في مدة زمان التكليف بالملطوف فيه لقبح التكليف به وانتقض الغرض منه، وأما تمكين هذا الإمام فهو من افعال المكلفين، إذ المدح عليه والذم على عدمه راجعان إليهم.
لا يقال: لم لا يجز أن يقوم غير هذا الإمام مقامه من فعل الله أو من فعل غيره، فلا يكون نصبه بعينه واجبا. سلمناه، لكن متى يجب هذا النصب إذا كان خاليا عن وجود المفاسد أو إذا لم يكن. والثاني ممنوع، فلم لا يجوز أن يكون فيه مفسدة خفية لا نعرفها وبسببها لا يجب. سلمناه، لكن إنما يجب نصبه لكونه لطفا، لكنكم شرطتم في كونه لطفا تمكينه، فعند عدم تمكينه لا يكون نصبه لطفا فلا يجب.
لأنا نجيب:
عن الأول: إن قيام الغير مقامه لا يتصور إلا في حال عدمه، وقد قلنا أنا نعلم بالضرورة أن عدم نصبه وتمكينه مستلزم لبعد الخلق عن الصلاح وقربهم من الفساد، فيستحيل أن يكون له بدل.
وعن الثاني: إن قرب المكلفين من الطاعة وبعدهم عن المعصية مطابق لغرض الحكيم من التكليف ومقرب لحصوله، فيكون مرادا له، فلو كان فيه مفسدة لكان تعالى مريدا للمفسدة، وقد سبق بطلان ذلك.
وعن الثالث: إنا لا نجعل التمكين شرطا في كون نصبه لطفا، بل من تمام