بيان الصغرى: إنه لما كان الإنسان يفارق سائر الحيوان في أنه لو انفرد لا يستقل وحده شخصا بتحصيل معاشه وبتولي تدبيره أمره من غير مشاركة ومعاونة على ضروريات حاجته، بل لا بد له من شخص وأشخاص أخر من أبناء نوعه يكون كل منهم مكفيا بصاحبه. ونظيره كأن يخبز هذا لذاك ويخيط ذاك لهذا إلى غير ذلك، استلزمت هذه الضرورات وجود الاجتماع بين أشخاص الإنسان والتشارك بينهم، واستلزم التشارك وجود المعاملة في العناية والحكمة الإلهية وجود سنة عادلة يرجع إليها فيها، إذ لو ترك الناس وأراؤهم في ذلك لاختلفوا إذ كان كل منهم يرى ماله عدلا وما لغيره عليه ظلما، وذلك مستلزم للتنازع والتقاتل وفناء النوع.
ثم لا بد لتلك السنة من سان عادل بشرى ليتمكن من مخاطبة الناس بتلك السنة والزامهم بها، ولا بد أن تكون تلك السنة بوحي من السماء مقرونة دعواه الرسالة بها بشواهد خارقة للعادة يتميز بها عنهم، وإلا لكان في قدرة غيره الاتيان بمثلها، فكانت مظنة المعارضة والمخالفة فلم يقبل.
ولما كان من مقتضى حكمة الحكيم وعنايته بالانسان إنبات الشعر على أشفار عينيه مثلا وحاجبيه وغير ذلك من الأمور التي ليست ضرورية في بقائه وصلاح حاله، فبالأولى أن يقتضي وجود مثل هذا الإنسان الموصوف، فإذن وجوده ضروري في بقاء نوع الإنسان.
وأما الكبرى: فلأن بقاء نوع الإنسان لغاية تكليفه وبلوغه كماله لما كان واجبا في الحكمة الإلهية أن يكون، وكان من ضرورة ذلك وشرائطه وجود النبي كان وجوده واجبا أن لا يكون، لأن ما لا يتم الواجب المطلق إلا به كان واجبا.