وذلك معجزة قاهرة ظاهرة، إذ ظهور مثل هذا الكتاب على مثل ذلك الإنسان الخالي عن البحث والطلب والمطالعة والتعلم لا يمكن إلا بوحي من الله وإلهام والعلم به ضروري.
(الثالث) إنه عليه السلام نقلت عنه معجزات كثيرة: كنبوع الماء من بين أصابعه، وتسبيح الحصى في كفه، وحنين الجذع إليه، وانشقاق القمر، وإقبال الشجر، وإطعام الخلق الكثير من الطعام القليل شبعا في مواضع، ونحو ذلك مما دونه العلماء ورووا أنه ألف معجزة. فهذه المعجزات وإن كان كل واحد منها مرويا بطريق الآحاد إلا أنا نعلم بالضرورة أنها ليست بأسرها كذبا، بل لا بد أن يصدق بعضها، وأيها صدق ثبت به ظهور المعجز على يده موافقا لدعواه.
وهذا هو المسمى بالتواتر المعنوي كشجاعة علي عليه السلام وسخاوة حاتم.
وأما بيان كبرى القياس الأول فمن وجوه:
(الأول) إن ظهور المعجز على يد مدعي النبوة مقارنا لدعواه وموافقا لها لما كان من خواص النبي كان كل من اتصف به نبيا، فلما اتصف به محمد عليه السلام علمنا كونه كذلك.
(الثاني) إنه لو كان كاذبا فيما ادعاه من النبوة لما جاز أن يخلق الله تعالى المعجز على يديه مقارنا لدعواه، لكن اللازم باطل فالملزوم مثله.
بيان الملازمة: إن العقل يضطر عنده مشاهدة المعجز مقرونا بدعوى المدعي إلى تصديقه، فلو كان كاذبا لكان تعالى قد صدق الكاذب، لكن تصديق الكاذب مستلزم لتجهيل الخلق وإغرائهم بالقبيح، وهو غير جائز على الله، فثبت أنه لو كان كاذبا لما جاز إظهار المعجز على يده.
وأما بطلان اللازم: فلما مر.