شرح المواقف - القاضى الجرجانى - ج ٨ - الصفحة ١٨٠
ما يكون شرا محضا أو كان الشر فيه غالبا أو مساويا فليس شئ منها موجودا ولما كان لقائل أن يقول لماذا لم يجرد هذا العالم عن الشرور أشار إلى جوابه بقوله (ثم لا يمكن تنزيه هذا العالم من الشرور بالكلية) لأن ما يمكن براءته عن الشرور كلها فهو القسم الأول وكلامنا في خيرات كثيرة تلزمها شرور قليلة بالقياس إليها وقطع الشئ عما هو لازم له محال وحينئذ (فكان الخير واقعا بالقصد الأول) داخلا في القضاء دخولا أصليا ذاتيا (و) كان (الشر واقعا بالضرورة) وداخلا في القضاء دخولا بالتبع (والعرض و) إنما (التزم فعله) أي فعل ما غلب خيره (لأن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير فليس من الحكمة ترك المطر الذي به حياة العالم لئلا ينهدم به دور معدوة ولا يتألم) به (سابح في البر أو البحر) يرشدك إلى ذلك أنه إذا لدغ أصبع إنسان وعلم أنها إذا قطعت سلم باقي البدن وإلا سرى الفساد إليه فإنه يأمر بقطعها ويريده تبعا لإرادة سلامته من الهلاك فسلامة البدن خير كثير يستلزم شرا قليلا فلا بد للعاقل أن يختاره وإن احترز عنه حتى هلك لم يعد عاقلا فضلا عن أن يعد حكيما فاعلا لما يفعله على ما ينبغي واعلم أن قضاء الله عند الأشاعرة هو إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال وقدره إيجاده إياها على قدر مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها وأما عند
____________________
ما ذكره في هذا المحل من الإشارات فسادات إذ لا يلائم أصول أهل السنة (قوله ولما كان لقائل أن يقول الخ) فيه بحث لأن هذا الاعتراض لا يتأتى إلا مع القول بأن فاعل العالم مختار ومع القول بالحسن والقبح العقليين والفلاسفة لم يقولوا بواحد من هذين الأصلين فلا يتوجه السؤال عليهم حتى يحتاج إلى الجواب أما أنه لا بد من القول بالاختيار فلأنه لو كان موجبا لذاته لكان عدم صدور أفعاله تعالى عنه سبحانه مستحيلا سواء كانت خيرات أو شرورا فلا يتجه أن يقال لم فعل هذا وأما توقفه على القول بالحسن والقبح العقليين فلأنه لو لم يقل بذلك كان الكل حسنا صوابا من الله تعالى على ما هو قولنا فلا يتأتى أن يقال لا يجوز من الله تعالى فعل الشر بل يجب أن يكون فاعلا للخير فأجاب صاحب المحاكمات بمنع إن الفلاسفة لا يقولون بالأصلين أما الثاني فلأن الحسن والقبح يطلقان على ملائمة الطبع ومنافرته وعلى كون الشئ صفة كمال أو صفة نقصان وعلى كون الفعل موجبا للثواب والعقاب والمدح والذم ولا نزاع في الأولين إنما النزاع في المعنى الأخير وأما الأول فلما مر في بحث القدرة من قولهم بالاختيار فيتجه أن يقال إن الله تعالى كامل بالذات خير بالذات فكيف وجد منه الشر والنقصان ويحتاج إلى الجواب المذكور هذا وأنت قد تحققت في أول بحث القدرة أن قولهم بالقدرة كلام لا تحقيق له وبذلك يظهر ضعف جوابه والله الهادي (قوله هو إرادته الأزلية) قيل القضاء في اللغة عبارة عن الفعل مع الإتقان كما دل عليه كلام صاحب الصحاح والإتقان تطبيقه على ما يقتضيه بالحكمة وتعرية له عن مظان الخلل ولهذا وجب الرضاء بالقضاء فالقول بأنه عبارة عن الإرادة المذكورة يحتاج إلى بيان يدل على وضعه لذلك لغة أو عرفا أو اصطلاحا إذ الأصل خلاف الاشتراك والنقل (قوله وقدره إيجاده إياها الخ) قيل لم يعتبر الايجاد في وضعه اللغوي
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الموقف الخامس في الإلهيات 2
2 المرصد الأول في الذات وفيه مقاصد 2
3 المقصد الأول 2
4 المقصد الثاني 14
5 المقصد الثالث 18
6 المرصد الثاني وفيه مقاصد 19
7 المقصد الأول 19
8 المقصد الثاني 25
9 المقصد الثالث 26
10 المقصد الرابع 27
11 المقصد الخامس 28
12 المقصد السادس 31
13 المرصد الثالث في توحيده تعالي 39
14 المرصد في الرابع في الصفات الوجودية 44
15 المقصد الأولى في اثبات الصفات 44
16 المقصد الثاني في قدرته 49
17 المقصد الثالث 64
18 المقصد الرابع 80
19 المقصد الخامس 81
20 المقصد السادس 87
21 المقصد السابع 91
22 المقصد الثامن 104
23 المرصد الخامس وفيه مقصدان 115
24 المقصد الأول 115
25 المقصد الثاني 143
26 المرصد السادس في أفعاله تعالى 145
27 المقصد الأول 145
28 المقصد الثاني 159
29 المقصد الثالث 168
30 المقصد الرابع 173
31 المقصد الخامس 181
32 المقصد السادس 195
33 المقصد السابع 200
34 المقصد الثامن 202
35 المرصد السابع في أسماء الله تعالي 207
36 المقصد الأول 207
37 المقصد الثاني 209
38 المقصد الثالث 210
39 الموقف السادس في السمعيات 217
40 المرصد الأول في النبوات 217
41 المقصد الأول 217
42 المقصد الثاني 222
43 المقصد الثالث 230
44 المقصد الرابع 243
45 الكلام علي القرآن 243
46 المقصد الخامس 263
47 المقصد السادس 280
48 المقصد السابع 281
49 المقصد الثامن 283
50 المقصد التاسع 288
51 المرصد الثاني في المعاد وفيه مقاصد 289
52 المقصد الأول 289
53 المقصد الثاني في حشر الأجسام 294
54 المقصد الثالث 298
55 المقصد الرابع 301
56 المقصد الخامس 303
57 المقصد السادس 306
58 المقصد السابع 309
59 المقصد الثامن 312
60 المقصد التاسع 312
61 المقصد العاشر 314
62 المقصد الحادي عشر 317
63 المقصد الثاني عشر 320
64 المرصد الثاني في الأسماء وفيه مقاصد 322
65 المقصد الأول 322
66 المقصد الثاني 330
67 المقصد الثالث 331
68 المرصد الرابع في الإمامة 344