لا يدفعه دافع، وأهل بيت المقدس يأبون ذلك، ويزعمون أن المسيح إنما ولد في بيت لحم، وإنما انتقلت به أمه إلى هذه القرية. قال ياقوت: فأما نص الإنجيل فإن فيه أن عيسى ولد في بيت لحم وخاف عليه يوسف زوج مريم من دهاء هارودس (1) ملك المجوس فأري في منامه أن احمله إلى مصر... فأقام بمصر إلى أن مات هارودس.. فقدم به القدس.. فأري في المنام أن انطلق به إلى الخليل، فأتاها فسكن مدينة تدعى ناصرة. وذكر في الإنجيل يسوع (2) الناصري كثيرا، والله أعلم.
وقال ابن دريد: النصارى منسوبون إلى نصرانة، وهي موضع (3)، هذا قول الأصمعي، وقيل: هي ة بالشام، ويقال لها ناصرة، وهي التي طبرية، وقد تقدم عن الليث، قال غيره: هي نصورية، بفتح النون وتخفيف التحتية، كما ضبطه الصاغاني. ويقال فيها أيضا: نصرى بالفتح، ونصرونة، ينسب إليها النصارى. قال ابن سيده: هذا قول أهل اللغة، قال: وهو ضعيف إلا أن نادر النسب يسعه، أو النصارى جمع نصران، كالندامى جمع ندمان، ولكنهم حذفوا إحدى الياءين، كما حذفوا من أثفية وأبدلوا مكانها ألفا كما قالوا صحارى، وهذا مذهب الخليل ونقله سيبويه. أو النصارى جمع نصري، كمهري وإبل مهارى، فهي أقوال ثلاثة.
والنصرانية والنصرانة واحدة النصارى. وأنشد أبو إسحاق لأبي الأخزر الحماني، يصف ناقتين طأطأتا رؤوسهما من الإعياء، فشبه رأس الناقة برأس النصرانية إذا طأطأته في صلاتها:
فكلتاهما خرت وأسجد رأسها * كما أسجدت (4) نصرانة لم تحنف فنصرانة تأنيث نصران ولكن لم يستعمل نصران إلا بياء النسب، لأنهم قالوا: رجل نصراني وامرأة نصرانية قال ابن بري: قوله: إن النصارى جمع نصران ونصرانة إنما يريد بذلك الأصل دون الاستعمال، وإنما المستعمل في الكلام نصراني ونصرانية، بياءي النسب، وإنما جاء نصرانة في البيت على جهة الضرورة. وأسجد لغة في سجد. والنصرانية أيضا دينهم ومعتقدهم الذي يذهبون إليه، ويقال: نصراني وأنصار، يشير به أن أنصارا جمع نصراني، بياء النسب، كما هو في سائر النسخ هكذا، والصواب أن أنصارا جمع نصران، بغير ياء النسب، كما هو في اللسان والتكملة. وذكر قول الشاعر:
* لما رأيت نبطا أنصارا * بمعنى النصارى.
وتنصر الرجل: دخل في النصرانية. وفي المحكم: في دينهم. ونصره تنصيرا: جعله نصرانيا، ومنه الحديث: " كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه اللذان (5) يهودانه وينصرانه ". وانتصر الرجل، إذا امتنع من ظالمه. قال الأزهري: يكون الانتصار من الظالم الانتصاف والانتقام. وانتصر منه: انتقم. قال الله تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام ودعائه إياه بأن ينصره على قومه: (فانتصر * ففتحنا) (6) كأنه قال لربه: انتقم منهم. وفي البصائر: وإنما قال انتصر، ولم يقل: انصر، تنبيها على أن ما يلحقني يلحقك من حيث إني جئتهم بأمرك فإذا نصرتني فقد انتصرت لنفسك. انتهى. وفي الكتاب العزيز أيضا: (ولمن انتصر بعد ظلمه) (7) وقوله عز وجل: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) (8) قال ابن سيده: إن قال قائل: أهم محمودون على انتصارهم أم لا؟ قيل: من لم يسرف ولم يجاوز ما أمر الله به فهو محمود. واستنصره عليه، أي على عدوه، إذا سأله أن ينصره عليه.