شكرتك إن الشكر حبل من التقي * وما كل من أوليته نعمة يقضي قال: فهذا يدل على أن الشكر لا يكون إلا عن يد، ألا ترى أنه قال: وما كل من أوليته إلخ، أي ليس كل من أوليته نعمة يشكرك عليها. وقال المصنف في البصائر: وقيل: الشكر مقلوب الكشر، أي الكشف، وقيل: أصله من عين شكري أي ممتلئة، والشكر على هذا: الامتلاء من ذكر المنعم [عليه] (1).
والشكر على ثلاثة أضرب: شكر بالقلب، وهو تصور النعمة، وشكر باللسان، وهو الثناء على المنعم، وشكر بالجوارح (2)، وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه.
وقال أيضا: الشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، والثناء عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره، هذه الخمسة هي أساس الشكر، وبناؤه عليها، فإن عدم منها واحدة اختلت قاعدة من قواعد الشكر، وكل من تكلم في الشكر فإن كلامه إليها يرجع، وعليها يدور، فقيل مرة: إنه الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع. وقيل: الثناء على المحسن بذكر إحسانه، وقيل: هو عكوف القلب على محبة المنعم، والجوارح على طاعته، وجريان اللسان بذكره والثناء عليه، وقيل: هو مشاهدة المنة وحفظ الحرمة.
وما ألطف ما قال حمدون القصار: شكر النعمة أن ترى نفسك فيها طفيليا.
ويقربه قول الجنيد: الشكر أن لا ترى نفسك أهلا للنعمة. وقال أبو عثمان: الشكر معرفة العجز عن الشكر، وقيل: هو إضافة النعم إلى مولاها.
وقال رويم: الشكر: استفراغ الطاقة، يعني في الخدمة.
وقال الشبلي: الشكر رؤية المنعم لا رؤية النعمة، ومعناه أن لا يحجبه رؤية النعمة ومشاهدتها عن رؤية المنعم بها، والكمال أن يشهد النعمة والمنعم، لأن شكره بحسب شهوده للنعمة، وكلما كان أتم كان الشكر أكمل، والله يحب من عبده أن يشهد نعمه، ويعترف بها، ويثني عليه بها، ويحبه عليها، لا أن يفنى عنها، ويغيب عن شهودها.
وقيل: الشكر قيد النعم الموجودة، وصيد النعم المفقودة.
ثم قال: وتكلم الناس في الفرق بين الحمد والشكر، أيهما أفضل؟ وفي الحديث: " الحمد رأس الشكر، فمن لم يحمد الله لم يشكره " والفرق بينهما أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه، وأخص من جهة متعلقاته، والحمد أعم من جهة المتعلقات وأخص من جهة الأسباب، ومعنى هذا أن الشكر يكون بالقلب خضوعا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافا، وبالجوارح طاعة وانقيادا، ومتعلقه المنعم دون الأوصاف الذاتية، فلا يقال: شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه، وهو المحمود بها، كما هو محمود على إحسانه وعدله، والشكر يكون على الإحسان والنعم، فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد، يقع به الشكر، من غير عكس، فإن الشكر يقع بالجوارح، والحمد باللسان.
والشكر من الله المجازاة والثناء الجميل.
يقال: شكره وشكر له يشكره شكرا، بالضم، وشكورا، كقعود، وشكرانا، كعثمان، وحكى اللحياني: شكرت الله، وشكرت لله، وشكرت بالله، وكذلك شكرت نعمة الله، وشكرت بها.
وفي البصائر للمصنف: والشكر: الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف، يقال: شكرته، وشكرت له، وباللام أفصح. قال تعالى: (واشكروا لي) (3 * وقال جل ذكره: (أن اشكر لي ولوالديك) (4) وقوله تعالى: (لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) (5) يحتمل أن يكون مصدرا مثل قعد قعودا، ويحتمل أن يكون جمعا مثل برد وبرود.