الورد على ما حققه الجوهري وغيره ثمانية أيام أو مع ليلة، فمن اعتبر الزيادة ألحق اليوم بالليلة، ومن لم يعتبر جعل الليلة كالزيادة. وبه يجاب عن الجوهري أيضا، حيث لم يذكر القول الثاني، فكأنه اكتفى بالأول لعدم منافاته مع الثاني. فتأمل. وكنت في سابق الأمر حين اطلعت على مؤاخذاته كتبت رسالة صغيرة تتضمن الأجوبة عنها، ليس هذا محل سردها.
ولهذا قال شيخنا: الإشارة تعود لأقرب مذكور، أي ولكون العشر التاسع لم يقل: عشرين، أي مثنى، فلو كان العشر العاشر لقالوا: عشران، مثنى، لأن فيه عشرين لا ثلاثة، هكذا في النسخ المتداولة. وقال بعض الأفاضل: ولعل الصواب: ولهذا لم يقولوا. وقالوا: عشرين بلفظ الجمع، فليس اسما للعاشر بل للتاسع، جعلوا ثمانية عشر يوما عشرين تحقيقا والتاسعة عشر والعشرين طائفة من الورد، أي العشر الثالث، فقالوا بهذا الاعتبار: عشرين، جمعوه بذلك وإن لم يكن فيه ثلاثة. وإطلاق الجمع على الاثنين وبعض الثالث سائغ شائع، كقوله تعالى: (الحج أشهر معلومات) (1). فلفظ العشرين في العدد مأخوذ من العشر الذي هو ورد الإبل خاصة، واستعماله في مطلق العدد فرع عنه، فهو من استعمال المقيد في المطلق بلا قيد؛ حققه شيخنا. وفي جمهرة ابن دريد: وأما قولهم عشرون فمأخوذ من أظماء الإبل، أرادوا عشرا وعشرا وبعض عشر ثالث. فلما جاء البعض جعلوها ثلاثة أعشار فجمعوا، وذلك أن الإبل تضرعى ستة أيام، وتقرب يومين، وترد في التاسع، وكذا العشر الثاني فهما ثمانية عشر يوما، وبقي يومان من الثالث فأقاموهما مقام عشر؛ والعشر: آخر الأظماء. انتهى. وفي اللسان: قال الليث: قلت للخليل: ما معنى العشرين؟ قال: جماعة عشر، قلت: فالعشر كم يكون؟ قال: تسعة أيام. قلت: فعشرون ليس بتمام، إنما هو عشران ويومان. قال: لما كان من العشر الثالث يومان جمعته بالعشرين. قلت: وإن لم يستوعب الجزء الثالث؟ قال: نعم، ألا ترى قول أبي حنيفة: إذا طلقها تطليقتين وعشر تطليقة، فإنه يجعلها ثلاثا، وإنما من الطلقة الثالثة فيه جزء، فالعشرون هذا قياسه. قلت: لا يشبه العشر التطليقة، لأن بعض التطليقة تطليقة تامة، ولا يكون بعض العشر عشرا كاملا، ألا ترى أنه لو قال لامرأته: أنت طالشق نصف تطليقة أو جزءا من مائة تطليقة كانت تطليقة تامة، ولا يكون نصف العشر وثلث العشر عشرا كاملا. انتهى. قال شيخنا: هذا الذي أورده الليث على شيخه ظاهر في القدح في القياس، بهذا الفرق الذي أشار إليه بين المقيس والمقيس عليه، وهو يرجه إلى المعارضة في الأصل أو الفرع أو إليهما. والأصح أنه قادح عند أرباب الأصول. أما أهل العربية فلهم فيه كلام. والصحيح أن القياس عندهم لا يدخل اللغة، أي لا توضع قياسا كما حققته (2) في شرح الاقتراح وغيره من أصول العربية. أما ذكر مثل هذا لمجرد البيان والإيضاح كما فعل الخليل فلا يضر اتفاقا. وتسمية جزء التطليقة تطليقة ليس من اللغة في شيء، إنما هو اصطلاح الفقهاء، وإجماعهم عليه، لا خصوصية للإمام أبي حنيفة وحده. وإنما حكموا بذلك لما علم أن الطلاق لا يتجزأ، كالعتق ونحوه، فكل فرد من أجزائه أو أجزاء مفرده عامل معتبر للاحتياط، كما حرر في مصنفات الفقه. وأما جزء من الورد فهو متصور ظاهر، كجزء ما يقبل التجزئة، كجزء من عشرة ومن أربعة ومن عشرين مثلا ومن كل عدد. فمراد الخليل أنهم أطلقوا الكل على الجزء، ك (الحج أشهر معلومات). كما أن الفقهاء في إطلاق نصف التطليقة على التطليقة يريدون مثل ذلك، لأن بعض التطليقة جزء منها، فمهما حصل أريد به التطليقة الكاملة، وإن كان في التطليقة لازما (3) وفي غيرها ليس كذلك، فلا يلزم ما فهمه الليث وعارض به من القدح في المقياس مطلقا كما لا يخفى. وإلا فأين وضع اللغة وأحكامها من أوضاع الفقه لأئمته؟ والله أعلم. انتهى. وفي شمس العلوم: ويقال إنما كسرت العين في عشرين، وفتح أول باقي الأعداد مثل ثلاثين وأربعين ونحوه إلى الثمانين، لأن عشرين من عشرة بمنزلة اثنين من واحد، فدل على ذلك كسر أول ستين وتسعين لأنه يقال ستة وتسعة. قلت: وهكذا صرح به ابن دريد. قال شيخنا: ثم كلام ابن دريد وغيره