والثمار، ولم يزل يتمادى بي الحاذ حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غاديا والمسلمون معه يوم الخميس، ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين، ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أمعن القوم وأسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فادركهم - وليتني فعلت -!! فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه بالنفاق، أو رجلا ممن عذر الله - تعالى - من الضعفاء - وعند عبد الرزاق: وكان جميع من تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعة وثمانين رجلا - ولم يذكرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوك. فقال وهو جالس في القوم بتبوك: " ما فعل كعب ابن مالك؟ " فقال رجل من بني سلمة، وفي رواية من قومي - قال محمد بن عمر: هو عبد الله بن أنيس السلمي - بفتح اللام - لا الجهني: يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه. فقال معاذ بن جبل - قال محمد بن عمر: وهو أثبت، ويقال: أبو قتادة: بئس ما قلت!
والله يا رسول الله ما علمت عليه إلا خيرا. فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال كعب بن مالك: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توجه قافلا حضرني همي، وطفقت أعد عذرا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهئ الكلام، وأقول: بماذا أخرج من سخطه - صلى الله عليه وسلم - غدا، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أطل قادما زاح عني الباطل، وعرفت أني لم أخرج منه أبدا بشئ فيه كذب، فأجمعت صدقه، وعرفت أنه لا ينجيني منه إلا الصدق، وأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قادما، قال ابن سعد: في رمضان، قال كعب: وكان إذا قدم من سفر لا يقدم إلا في الضحى فيبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم يدخل على فاطمة ثم على أزواجه، فبدأ بالمسجد فركعهما، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، فجئته، فلما سلمت عليه، تبسم تبسم المغضب، فقال: " تعال " فجئت أمشي حتى جلست بين يديه - وعند ابن عائذ: فاعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، لم تعرض عني؟
فوالله ما نافقت، ولا ارتبت، ولا بدلت - قال كعب: فقال لي: " ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ " فقلت: بلى إني والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني - والله - لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنى ليوشكن الله تعالى أن يسخطك على، ولئن حدثتك اليوم حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عفو الله عني، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أما هذا فقد صدق، فقم