وروى ابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر عن مصعب بن شيبة بن عثمان الحجبي عن أبيه - رضي الله عنه - قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، والله ما خرجت إسلاما، ولكن خرجت أنفا أن تظهر هوازن على قريش، فاني لواقف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قلت: يا رسول الله إني لأرى خيلا بلقا، قال: " يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر " فضرب بيده في صدري وقال: " اللهم اهد شيبة " فعل ذلك ثلاث مرات - فوالله ما رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله تعالى أحب إلي منه، فالتقى المسلمون فقتل من قتل، ثم أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر آخذ باللجام، والعباس آخذ بالثغر، فنادى العباس: أين المهاجرون، أين أصحاب سورة البقرة - بصوت عال - هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقبل المسلمون والنبي - صلى الله عليه وسلم -: " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب " فجالدوهم بالسيوف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الآن حمي الوطيس ".
وروى عبد بن حميد، والبيهقي عن يزيد بن عامر السوائي - رضي الله عنه - وكان حضر يومئذ، فسئل عن الرعب فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطست فيطن فيقول: أن كنا نجد في أجوافنا مثل هذا.
روى محمد بن عمر عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: حدثني عدة من قومي شهدوا ذلك اليوم يقولون: " لقد رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الرمية من الحصى فما منا أحد إلا يشكو القذى في عينيه، ولقد كنا نجد في صدورنا خفقانا كوقع الحصى في الطاس ما يهدأ ذلك الخفقان، ولقد رأينا يومئذ رجالا بيضا، على خيل بلق، عليهم عمائم حمر، قد أرخوها بين أكتافهم، بين السماء والأرض كتائب كتائب ما يليقون شيئا، ولا نستطيع أن نتأملهم من الرعب منهم.
وروى أيضا عن ربيعة بن أبزي قال: حدثني نفر من قومي، حضروا يومئذ قالوا: كمنا لهم في المضايق والشعاب، ثم حملنا عليهم حملة، ركبنا أكتافهم حتى انتهينا إلى صاحب بغلة شهباء، وحوله رجال بيض حسان الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا. فانهزمنا، وركب المسلمون أكتافنا، وكانت إياها، وجعلنا نلتفت وإنا لننظر إليهم يكدوننا فتفرقت جماعتنا في كل وجه، وجعلت الرعدة تستخفنا حتى لحقنا بعلياء بلادنا، فان كنا ليحكى عنا الكلام ما ندري به، لما كان بنا من الرعب، وقذف الله - تعالى - الاسلام في قلوبنا.
وروى أيضا عن شيوخ من ثقيف أسلموا بعد ما كانوا حضروا ذلك اليوم قالوا: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبنا فيما نرى - ونحن مولون حتى إن الرجل ليدخل منا حصن الطائف وإنه ليظن أنه على أثره من رعب الهزيمة.