ونأمره بحق، وننهاه عن باطل، فلعل أن يقع كلامنا منه موقعا ينفع الله به المسلمين، ويأجرنا عليه، فقال سليمان الخواص: إني لأخشى أن يأتي علينا منه يوم سوء. فقال الثوري: ما أخاف ذلك، فإن شئت فادخل، وإن شئت دخلت.
فدخل سليمان الخواص، فأمره ونهاه، ووعظه وذكره الله، وما هو صائر إليه، ومسؤول عنه. فقال له أبو جعفر: أنت مقتول، ما تقول في كذا وكذا، لشئ سأله عنه من باب العلم؟ فأجابه، فلما خرج قال سفيان الثوري: ماذا صنعت؟
قال: أمرت ونهيت، ووعظت وذكرت فرضا كان في رقابنا أديناه مع أنه لا يقبل، وسألني عن مسألة فأجبته. قال سفيان: ما صنعت شيئا، فدخل سفيان الثوري فأمره ونهاه. فقال له: ها هنا أبا عبد إلي إلي، ادن مني. فقال: إني لا أطأ ما لا أملك ولا تملك. فقال أبو جعفر: يا غلام أدرج البساط، وارفع الوطاء، فتقدم سفيان فصار بين يديه وقعد، ليس بينه وبين الأرض شئ، وهو يقول: (منها خلقناكم، وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) فدمعت عينا أبي جعفر.
ثم تكلم سفيان دون أن يستأذن، فوعظ وأمر ونهى وذكر، وأغلظ في قوله. فقال له الحاجب: أيها الرجل، أنت مقتول. فقال سفيان: وإن كنت مقتولا فالساعة، فسأله أبو جعفر عن مسألة فأجابه، ثم قال سفيان: فما تقول أنت يا أمير المؤمنين فيما أنفقت من مال الله، ومال أمة محمد بغير إذنهم، وقد قال عمر في حجة حجها، وقد أنفق ستة عشر دينارا هو ومن معه: ما أرانا إلا وقد أجحفنا ببيت المال (1). وقد علمت ما حدثنا به منصور بن عمار، وأنت حاضر ذلك، وأول كاتب كتبه في المجلس عن إبراهيم، عن الأسود، عن علقمة، عن ابن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رب متخوض في مال الله ومال رسول الله فيما شاءت نفسه له النار غدا " (2) فقال له أبو عبيدة الكاتب: أمير المؤمنين يستقبل بمثل هذا؟ فقال له سفيان: أسكت، فإنما أهلك فرعون هامان، وهامان فرعون. ثم خرج سفيان، فقال أبو عبيدة الكاتب: ألا تأمر بقتل هذا الرجل؟ فوالله ما أعلم أحدا أحق بالقتل منه. فقال أبو جعفر: اسكت