قال: هون عليك الأمر، سنة الله التي قد خلت في عباده، ولن تجد لسنة الله تبديلا، وليس ما يكون منهم بحاجز لنا عن صلة أرحامهم، وحفظ أعقابهم (1) فقلت: كيف تسلم لهم قلوبكم، وقد قاتلوكم مع عدوكم؟ فقال: نحن قوم حبب إلينا الوفاء وإن كان علينا، وبغض إلينا الغدر وإن كان لنا، وإنما يشذ عنا منهم الأقل، فأما أنصار دولتنا، ونقباء شيعتنا، وأمراء جيوشنا فهم ومواليهم معنا، فإذا وضعت الحرب أوزارها صفحنا للمحسن عن المسئ، ووهب للرجل قومه ومن اتصل بأسبابه، فتذهب المثابرة (2)، وتخمد الفتنة، وتطمئن القلوب. فقلت:
ويقال: إنه يبتلى بكم من أخلص لكم المحبة. فقال: قد روي أن البلاء أسرع إلى محبينا من الماء إلى قراره. قلت: لم أرد هذا. قال: فما الذي تريد؟
قلت: توقعون (3) بالولي وتحظون العدو. فقال: من يسعد بنا من الأولياء أكثر، ومن يسلم معنا من الأعداء أقل، إنما نحن بشر، ولا يعلم الغيب إلا الله، وربما استترت عنا الأمور، فنوقع (4) بمن لا نريد، وإن لنا لإحسانا يجازي الله به مداواة ما تكلم ورتق ما تثلم فنستغفر الله بما يعلم، وما أنكر من ألا يكون الأمر على ما بلغك، ومع الولي التعزز والإدلال، والثقة والاسترسال، ومع العدو التحرز والتذلل والاحتيال (5)، وإنك لمسؤول يا أخا بني تميم. قلت: إني أخاف ألا أراك بعد اليوم. قال: لكن أرجو أن أراك وتراني قريبا إن شاء الله. قلت: عجل الله ذلك، ووهب لي السلامة منكم، فإني محبكم. فتبسم وقال: لا بأس عليك ما أعاذك الله من ثلاثة. قلت: وما هي؟ قال: قدح في الدين، وهتك للملوك، وتهمة في حرمة، واحفظ عني ما أقول لك: أصدق وإن ضرك الصدق، وانصح وإن باعدك النصح، ولا تخالطن لنا عدوا وإن أحظيناه فإنه مخذول، ولا تخذلن وليا وإن أقصيناه وأصبحنا بترك المماكرة، وتواضع إذا رفعوك، وصل إذا قطعوك، ولا تستخف فيمقتوك، ولا تنقبض فيحتشموك، [ولا تبدأ حتى يبدؤك] ولا تخطب الأعمال، ولا تتعرض للأموال، وأنا رائح من عشيتي هذه، فهل من