فأتاه بدواب، فركب وهرب، معه داود بن أبي داود (1)، وهرب معه بنوه، وتفرق أصحابه، وجاء القوم إلى أبي مسلم فأعلموه أنه قد خرج، ولا يدرون أين توجه، فاستولى أبو مسلم على خراسان، فاستعمل عليها عماله، ثم وجه أبا عون (2) في ثلاثين ألفا إلى مروان، فلما بلغ مروان الخبر خرج حتى أتى حران، فتخمل بعياله وبناته وأهله، وقد كان يتعصب قبل، فجفا أهل اليمن وأهل الشام وغيرهم، وقتل ثابت بن نعيم، والسمط بن ثابت، وهدم مدائن الشام، وتحول إلى الجزيرة. قال إسماعيل بن عبد الله القسري: دعاني مروان فقال: يا أبا هاشم وما كان يكنيني قبلها، قد ترى ما حل من الأمر وأنت الموثوق به، ولا مخبأ بعد بؤس (3)، ما الرأي؟ فقلت: يا أمير المؤمنين على ما أجمعت؟ قال: على أن أرتحل بموالي وعيالي وأموالي، ومن تبعني من الناس حتى أقطع الدرب، ثم أميل إلى مدينة من مدائن الروم، فأنزلها، وأكاتب صاحب الروم، وأستوثق منه (4)، فما يزال يأتيني الخائف والهارب حتى يلتف أمري. قال إسماعيل: وذلك والله الرأي. فلما رأيت ما أجمع عليه، ورأيت سوء آثاره في قومي [من قحطان]، وبلائه القبيح عندهم، قلت له: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الرأي، أن تحكم فيك أهل الشرك، وفي بناتك وحرمك، وهم الروم لا وفاء لهم، ولا تدري ما تأتي به الأيام، فإنه أنت حدث عليك حادث بالروم، ولا يحدث إلا خير، ضاع أهلك من بعدك، ولكن اقطع الفرات، ثم استدع (5) الشام جندا جندا، فإنك في كنف وجماعة وعزة، ولك في كل جند صارم (6) يسيرون معك، حتى تأتي مصر، فإنها أكثر أرض الله مالا [وخيلا] ورجالا، ثم الشام أمامك، وأفريقية خلفك، فإن رأيت ما تحب انصرفت إلى الشام، وإن كانت الأخرى مضيت إلى أفريقية.
قال: صدقت، ثم استخار الله وقطع الفرات، فمر بكور من كور الشام،