إذا، والزاب الذي أراد علمه هو بأرض المغرب، فأقبل مروان وهو يريد مصر، فالتقت الخيل، فانهزمت خيل أبي عون، وأسر جماعتهم وصاحب أمرهم (1)، فأتى مروان بالأسارى، فقال مروان لجماعته: شدوا أيديكم بالأسرى، فقد أجننا الليل، وبات مسرورا. فلما أصبح جعل يهنئ أصحابه للقاء القوم، فأقبل سليمان بن هشام، وأبو عون وكان مروان قد أرخى حبال الجسر، وتوسط أصحابه فيما هنالك وهم آمنون فقال أبو عون للقبط: هل لهذا النهر من مخاضة، فقالوا له: ما علمنا ذلك، ولا بلغنا أن أحدا خاضه قط، فقطع عما قصد وأراد. فكتب إلى صالح بن علي بذلك، ويسأله أن يبعث إليه بمراكب ساحل البحر عاجلا، فبينما هو في ذلك، إذ أتاه رجل من القبط فقال له: إن أبي كان يقرأ الكتاب، وكان يحدثنا بأمور تكون بعده، ويصف لنا موضعا يجعله الله لكم تخوض فيه الخيل عند تلك الأمور، وقد اختبرت ذلك الليلة، فسر بذلك أبو عون، ثم بعث معه الخيل إلى ذلك الموضع، بعد أن وصله ووعده خيرا وكان مروان نظر إلى الرايات السود بناحية مصر، ونظر إلى الخيل تعدو النهر، ولا يشكك أنهم لا يجدون سبيلا إلى عبوره، فلم ينشب أهل عسكر مروان أن نظروا إلى خيل أبي عون قد جاوزت النيل، فعبأ مروان أصحابه وأهل بيته، ثم خطبهم وحضهم على الصبر. وقال لهم: إن الجزع لا يزيد في الأجل، وإن الصبر لا ينقص الأجل وأقبل القوم فاقتتلوا من وقت صلاة الصبح إلى أن مالت الشمس، فأصيب عبد الله ومحمد ابنا مروان وبنو أبيه أكثرهم، وولد عبد العزيز، وصابر القوم، فلما لم يبق حوله إلا قدر الثلاثين، حمل على القوم فأكردهم (2) ورجع، فجعل أصحابه يفترقون عنه. فلما رأى ذلك نزل عن فرسه وأنشأ يقول متمثلا (3):
ذل الحياة وهول (3) الممات * وكلا أراه وخيما وبيلا فإن كان لا بد من ميتة (5) * فسيري إلى الموت سيرا جميلا