في المساجد، ويتعلمون: أي يتعارفون بينهم، فبلغ ذلك نصرا، واغتم لذلك، وخاف إن وجه إليهم من يقاتلهم أن يتجاوزوا إلى الكرماني، فلما استفحل أمر القوم، وقام بأمرهم أبو مسلم الخراساني، ثم اجتمعوا وأظهروا أمرهم. كتب نصر بن سيار إلى مروان ابن محمد:
أرى خلل الرماد (1) وميض نار * ويوشك أن يكون له ضرام (2) فإن النار بالعودين تذكى * وإن الحرب أولها الكلام أقول من التعجب: ليت شعري * أأيقاظ أمية أم نيام فإن كانوا لحينهم نياما * فقل قوموا فقد حان القيام ففرى عن رحالك ثم قولي * على الإسلام والعرب السلام فكتب إليه مروان: إن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فقال نصر لما قرأ الكتاب:
أما صاحبكم فقد أعلمكم أن لا نصر عنده، وجعل أبو مسلم يكتب الكتب، ثم يقول للرسل:
مروا بها على اليمانية، فإنهم يتعرضون لكم، ويأخذون كتبكم، فإذا رأوا فيها أني رأيت المضرية لا وفاء لهم، ولا خير فيهم، فلا تثق بهم، ولا تطمئن إليهم، فإني أرجو أن يريك الله في اليمانية ما تحب، ويرسل رسولا آخر بمثل ذلك على اليمانية. فيقول: مر على المضرية، فكان الفريقان جميعا معه، وجعل يكتب إلى نصر بن سيار، وإلي الكرماني: أن الإمام قد أوصاني بكم، ولست أعدو رأيه فيكم، فجعل نصر يقول: يا عباد الله، هذه والله الذلة، رجل بين أظهرنا يكتب إلينا بمثل هذا، لا نقدر له على ضر ولا نفع، فلما تبين القوم أن لا نصير لهم كتب أبو مسلم إلى أصحابه في الكور، أن أظهروا أمركم، فكان أول الناس من سود (3) أسيد بن عبد الله، فنادى: يا محمد، يا منصور، فسود معه العكى، ومقاتل بن حكم، وعمر بن غزوان، وأقبل أبو مسلم حتى نزل الخندقين فهابه الفريقان جميعا. فقال: لست أعرض لواحد منكم، إنما ندعو إلى آل محمد، فمن تبعنا فهو منا، ومن عصانا فالله حسيبه. فلما جعل أصحابه يكثرون عنده. وهو يطمع الفريقين جميعا في نفسه. كتب نصر بن سيار: إلى مروان بن محمد، يذكر استعلاء أمر أبي مسلم، ويعلمه بحاله وخروجه، وكثرة شيعته، وأنه قد خاف