سعة، فأعفني من هذا يعف الله عنك. فقال له سليمان: والله لا أوليها غيرك بعدي. فقال عمر:
وما الذي يدعوك إلى هذا؟ فقال سليمان: إني رأيت في منامي قائلا يقول لي: إن عمر بن عبد العزيز لك جنة ووقاية وجسر تتخطاه. فأولت ذلك - إن شاء الله - أن أوليك الأمر من بعدي، لتكون توليتي لك جنة من النار، وجسرا أركبه، لأنجو عليه من عذاب يوم القيامة ثم ليزيد بعدك، فإنه أرشد ولد عبد الملك. فقال عمر: إن هذا الأمر لا يسعني بيني وبين الله عز وجل، أن أتقدم على أمة محمد، وفيهم خير مني. فقال سليمان: أما في آل أمية وعبد شمس فلا أعلم خيرا منك فقال عمر:، إن لم يكن في آل أمية وعبد شمس خير مني بقولك، ففي آل عبد مناف وآل هاشم من هو خير مني. فقال سليمان: لا، فقال عمر: ففي آل تيم وعدي خير مني، وملء الأرض مثلي. فقال سليمان: إنما تريد القاسم وسالما؟ قال: نعم، إياهما أردت فقال سليمان: رجلان صالحان ذكرت، ولكنهما ليسا للملك، ولا الملك لهما، ولا من معدن الملك هما، مع أنه ليس بزمان خلافة، ولا أيام يملك فيها مثل القاسم وسالم، إنما هو زمان ملك وسيف وإنما هي ذئاب تعدو ليست على غنم تؤمن: فقال عمر: الله المعين، المصلح لمن أراده. فسكت سليمان، وظن أن عمر رضي بما قال له، ثم دعا سليمان بصحيفة ثم كتب ويده ترتعش من شدة العلة، لا يعلم أحد بما يخط، فكتب عهد عمر، ثم من بعد عمر ليزيد، ثم ختم عليه بيده، متحاملا لذلك، وعمر لا يشك أن الأمر فيه قد صار لغيره، ثم دعا سليمان برجاء بن حياة، فقال له: خذ هذا الكتاب فإنه عهدي، فاجمع إليك قريشا، وأمراء الأجناد، وأعلمهم أنه عهدي، وأن من كان اسمه في كتابي هذا فهو الخليفة بعدي، فمن نزع عن ذلك وأباه، فالسيف السيف، والقتل القتل، ثم رفع سليمان يديه إلى السماء فقال: اللهم إن ذنوبي قد عظمت وجلت، وهي صغيرة يسيرة في جنب عفوك، فاعف عني يا من لا تضره الذنوب، ولا تنقصه المغفرة، اعف عني ما بيني وبينك من الذنوب، واحمل عني ما بيني وبين خلقك، وأرضهم بما شئت، يا أرحم الراحمين. اللهم إن كنت تعلم مني وتطلع من ضميري، أني إنما أردت بعهدي هذا وتوليتي من وليت فيه وجهك ورضاك فاغفر لي وارحمني. ثم تخلخل لسانه، فلم يقو على الكلام من ثقل العلة، ثم سكت وأغمى عليه. قال رجاء: فخرجت وعمر معي.
فقلت له: ما أراك إلا صاحب الأمر، فقال عمر: ما أحسب ذلك. فقلت: ومن عسى أن يكون في آل مروان من يريد سليمان توليته غيرك؟ فقال عمر: ما أراه عهد إلا لأحد الرجلين:
القاسم أو سالم. قال رجاء: فقلت له أسمعت ذلك منه؟ فقال عمر ما سمعته، ولكن دار بيني وبينه كلام آنفا قبل دخلتك، لا أشك أنه أراد أحدهما. قال رجاء: فقلت والله هذا الاختلاف في أمة محمد، والفتن الظاهرة القاصمة للظهور، المفنية للأنفس. فقال عمر: