كما إن الأسرى الفقراء من قريش الذين وقعوا في قبضة المسلمين في معركة بدر الكبرى في العام الثاني للهجرة، والذين لم يستطيعوا أن يقدموا فدية نقدية لإطلاق سراحهم، كلف كل واحد منهم - ممن يجيد القراءة والكتابة - تعليم عشرة من أطفال المسلمين في المدينة القراءة والكتابة لقاء إطلاق سراحهم، ويحدثنا البلاذري: ان كثيرين منهم قاموا بما كلفوا به من تعليم الأطفال في المدينة وأصبحوا بعدها أحرارا عادوا إلى مكة، كما أسلم بعضهم بعدما لمسوا عدالة الإسلام وسماحته فكيف يعقل هنا أن يجيد قسم من الفقراء ومعدمي القرشيين القراءة والكتابة ولا يتقنها أغنياؤهم وتجارهم وأرباب السلطان منهم! (1).
وخلاصة القول في جواب هؤلاء هو أن نقول: إن الجهل كان هو الحاكم المطلق ولا نلاحظ نحن فيهم أي شئ من العلوم قبل الإسلام بل لا نرى إلا جهلا وحيرة وضياعا. أما ما استشهد به هؤلاء فلا يعدو أن يكون مما قام به الإسلام لمحو الأمية.
أما أولوية أن يكون ذوو الغنى والسلطان منهم يقرأون ويكتبون فقد عرفت فساده مما سبق عن ابن خلدون. وأما عدد كتاب الوحي فقد فند أكثر العدد العلامة السيد أبو الفضل مير محمدي في كتابه القيم " بحوث في تأريخ القرآن وعلومه ".
ولا يفوتنا هنا أن ننوه إلى: أن أميتهم هذه كانت السبب في قوة حافظتهم التي امتازوا بها، فأصبح الكثير منهم حفظة القرآن الكريم وأحاديث الرسول العظيم.