انطلق ذوو الطول والشرف من قريش إلى دار الندوة ليرتأوا ويأتمروا في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأسروا ذلك فيما بينهم.
فقال بعضهم - وهم العاص بن وائل السهمي وأمية بن أبي خلف الجمحي - نبني له علما ويترك برحا نستودعه فيه، فلا يخلص إليه أحد من الصباة فيه، ولا يزال في رفق من العيش حتى يتضيفه ريب المنون.
فقال أبو سفيان وعتبة وشيبة ابنا ربيعة: إنا نرى أن نرحل بعيرا صعبا ونوثق محمدا عليه كتافا وشدا، ثم نقصع البعير بأطراف الرماح فيوشك أن يقطعه بين الدكادك إربا إربا!
فقال صاحب رأيهم: إنكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا، أرأيتم إن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق فأخذ بقلوبهم سحره وبيانه وطلاقة لسانه فصبأ القوم إليه واستجابت القبائل له قبيلة فقبيلة، فليسيرن إليكم حينئذ بالكتائب والمقانب، فلتهلكن كما هلكت إياد ومن كان قبلكم.
قولوا قولكم.
فقال أبو جهل: لكن أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة فتندبوا من كل قبيلة منها رجلا نجدا، ثم تسلحوا سلاحا عضبا، وتتمهد الفتية حتى إذا غسق الليل وغور بيتوا بابن أبي كبشة بياتا، فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا، فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قبائل قريش في صاحبهم، فيرضون حينئذ بالعقل (1) منهم.
فقال صاحب رأيهم أصبت يا أبا الحكم. ثم أقبل عليهم فقال: هذا الرأي فلا تعدلن به رأيا، وأوكئوا في ذلك أفواهكم حتى يستتب أمركم. ثم