يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والأصيل من صاحب أو طالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل وإنما الامر إلى الجليل * وكل حي سالك السبيل قال فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها فعرفت ما أراد فخنقتني عبرتي فرددت دمعي ولزمت السكون فعلمت أن البلاء قد نزل فأما عمتي فإنها سمعت ما سمعت وهى امرأة وفى النساء الرقة والجزع فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها وإنها لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت فاطمة أمي وعلى أبى وحسن أخي يا خليفة الماضي وثمال الباقي قال فنظر إليها الحسين عليه السلام فقال يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان قالت بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله استقتلت نفسي فداك فرد غصته وترقرقت عيناه وقال لو ترك القطا ليلا لنام قالت يا ويلتي أفتغصب نفسك اغتصابا فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي ولطمت وجهها وأهوت إلى جيبها وشقته وخرت مغشيا عليها فقام إليها الحسين فصب على وجهها الماء وقال لها يا أخية اتقى الله وتعزى بعزاء الله واعلمي أن أهل الأرض يموتون وأن أهل السماء لا يبقون وأن كل شئ هالك إلا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته ويبعث الخلق فيعودون وهو فرد وحده أبى خير منى وأمي خير منى وأخي خير منى ولى ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة قال فعزاها بهذا ونحوه وقال لها يا أخية إني أقسم عليك فأبرى قسمي لا تشقى على جيبا ولا تخمشي على وجها ولا تدعى على بالويل والثبور إذا أنا هلكت قال ثم جاء بها حتى أجلسها عندي وخرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقربوا بعض بيوتهم من بعض وأن يدخلوا الاطناب بعضها في بعض وأن يكونوا هم بين البيوت إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم (قال أبو مخنف) عن عبد الله بن عاصم عن الضحاك ابن عبد الله المشرقي قال فلما أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون قال فتمر بنا خيل لهم تحرسنا وإن حسينا ليقرأ ألا ليحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين
(٣١٩)