فيه من أمره فانطلقوا حتى دفعوا ما كان معهم من تلك الهدية إلى مريم وأرادوا أن يرجعوا إلى هذا الملك ليعلموه مكان عيسى فلقيهم ملك فقال لهم لا ترجعوا إليه ولا تعلموه بمكانه فإنه إنما أراد بذلك ليقتله فانصرفوا في طريق آخر واحتملته مريم على ذلك الحمار ومعها يوسف وردا أرض مصر فهي الربوة التي قال الله (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) فمكثت مريم اثنتي عشرة سنة تكتمه من الناس لا يطلع عليه أحد وكانت مريم لا تأمن عليه ولا على معيشته أحدا كانت تلتقط السنبل من حيث ما سمعت بالحصاد والمهد في منكبها والوعاء الذي تجعل فيه السنبل في منكبها الآخر حتى تم لعيسى صلى الله عليه وسلم اثنتا عشرة سنة فكان أول آية رآها الناس منه أن أمه كانت نازلة في دارد دهقان من أهل مصر فكان ذلك الدهقان قد سرقت له خزانة وكان لا يسكن في داره إلا المساكين فلم يتهمهم فحزنت مريم لمصيبة ذلك الدهقان فلما أن رأى عيسى حزن أمه بمصيبة صاحب ضيافتها قال لها يا أمه أتحبين أن أدله على ماله قالت نعم يا بنى قال قولي له يجمع لي مساكين داره فقالت مريم للدهقان ذلك فجمع له مساكين داره فلما اجتمعوا عمد إلى رجلين منهم أحدهما أعمى والآخر مقعد فحمل المقعد على عاتق الأعمى ثم قال له قم به قال الأعمى أنا أضعف من ذلك قال عيسى صلى الله عليه وسلم فكيف قويت على ذلك البارحة فلما سمعوه يقول ذلك بعثوا الأعمى حتى قام به فلما استقل قائما حاملا هوى المقعد إلى كوة الخزانة قال عيسى هكذا احتالا لمالك البارحة لأنه استعان الأعمى بقوته والمقعد بعينيه فقال المقعد والأعمى صدق فردا على الدهقان ماله ذلك فوضعه الدهقان في خزانته وقال يا مريم خذي نصفه قالت إني لم أخلق لذلك قال الدهقان فاعطيه ابنك قالت هو أعظم منى شأنا ثم لم يلبث الدهقان أن أعرس ابن له فصنع له عيدا فجمع عليه أهل مصر كلهم فلما انقضى ذلك زاره قوم من أهل الشأم لم يحذرهم الدهقان حتى نزلوا به وليس عنده يومئذ شراب فلما رأى عيسى اهتمامه بذلك دخل بيتا من بيوت الدهقان فيه صفان من جرار فأمر عيسى يده على أفواهها وهو يمشى فكلما أمر يده على
(٤٢٨)