الناس كل ما قال. وهذه - فيما نعلم - ظاهرة لم تحدث في تاريخ البشرية، على امتداد أحقابها.. لم يحدث أبدا أن حفظ جيل كامل معاصر لرجل.. كل كلمة نطقت بها شفتاه.. سمعت منه. أو نقلت عنه. ثم كان الحفاظ عليها صنو الحفاظ على الحياة. إيثارا وحبا وتأثرا وحنينا. على أن من حفظ. إنما كان يشبع حاجة النفس العطشى. وينشد راحتها، غير قاصد بما يسمع، أنه يسمع لينقل لغيره أو للأجيال عبر التاريخ. ولا هو عامد إلى ذلك. إنما كان يسمع ليروى غلة صادية، وفطرة مشتاقة. وهو في أعماقه عاجز عن التقليد، عاجز عن الاعراض، حتى لو أراد. فكيف بحاله وهو المقبل المتلهف على الحكمة البالغة. والعبارة الآسرة. والمعنى الجليل.
كذلك كان أصحابه عليه السلام. يحفظون عنه فيما يحفظون كلامه العادي.
على حين أنه مجرد أداء لمتطلبات حياته المباركة في حله وترحاله، في حربه وسلمه، في مأكله ومشربه، في غضبه ورضاه، في سروره وحزنه.
وأفضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه الكريم. راضيا مرضيا.
وكلامه محفوظ غير مكتوب. وكأنه عليه السلام أبى أن يترك بعد موته مع كتاب الله كتابا. اللهم إلا شيئا لا يدخل في حكم التدوين. وهو اتجاه صرح به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أيام خلافته حين اقترح بعضهم كتابة حديثه رسول الله. فأبى ذلك ولم يرتضه.
ومضى خير القرون - ولم يدون الحديث ولا وضع فيه كتاب. لكن كانت - خلال ذلك - أطلت الفتن برؤوسها. فطوت في أعاصيرها الهوجاء - حيوات غاليات، قتل عمر الفاروق الملهم، وعثمان الحيي الكريم، وعلى القوى الحكيم. وطلحة الصالح المبشر، والزبير الحوارى الشهيد. وسواهم وسواهم كثير. ثم قتل ممن بعدهم الحسين بن علي ومعه أمة من الصالحين. ووراء كل