يأخذون الشئ من معدنه، فالفقيه منهم يقلل التعليق في خبر حدثنا خبر خبره، والمتعبد ينصب لاجل حديث لا يدرى من سطره، والقاص يروى للعوام الأحاديث المنكرة ويذكر لهم ما لو شم ربح العلم ما ذكره، فيخرج العوام من عنده يتدارسون الباطل فإذا أنكر عليهم عالم قالوا. قد سمعنا هذا بأخبرنا وحدثنا فكم قد أفسد القصاص من الخلق بالأحاديث الموضوعة، كم لون قد أصفر بالجوع وكم هائم على وجهه بالسياحة، وكم مانع لنفسه ما قد أبيح، وكم تارك رواية العلم زعما منه مخالفة النفس في هواها في ذلك، وكم موتم أولاده بالتزهد وهو حي، وكم معرض عن زوجته لا يوفيها حقها فهي لا أيم ولا ذات بعل.
فصل واعلم وفقك الله أن الأحاديث على ستة أقسام، القسم الأول ما اتفق على صحته وكان أبو عبد الله البخاري أول من (1) الصحاح، ثم تبعه مسلم، وكان مرادهما الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك الصحابي راويان ثقتان عنه لذلك الحديث، ثم يرويه عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة، وله راويان ثقتان عنه، ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور وله رواة ثقاة، ثم يكون شيخ البخاري حافظا متقنا فهذه الدرجة العليا. وقد كان مسلم بن الحجاج أراد أن يخرج الصحيح على ثلاثة أقسام في الرواة، فلما فرغ من القسم الأول توفى. قال الحاكم رحمه الله: وقد تركا أحاديث جيدة الطريق لنوع احتياط نظرا فيه، منها أحاديث رواها الثقاة إلى الصحابي غير أن هذا الصحابي لم يكن له غير راو واحد مثل حديث مرداس الأسلمي والمستورد وذكين لما لم يكن لهم راو غير قيس بن أبي حازم، وكذلك حديث