فكتب إليه علي: (أما بعد، فإن الذي أعجبك مما نازعتك نفسك إليه من طلب الدنيا منقلب عنك، فلا تطمئن إليها، فإنها غرارة، ولو اعتبرت بما مضى انتفعت بما بقي، والسلام).
فكتب إليه عمرو: (أما بعد، فقد أنصف من جعل القرآن حكما، فاصبر يا أبا الحسن، فإنا غير منيليك إلا ما أنا لك القرآن، والسلام).
فاجتمع قراء أهل العراق وقراء أهل الشام، فقعدوا بين الصفين، ومعهم المصحف يتدارسونه، فاجتمعوا على أن يحكموا حكمين، وانصرفوا.
فقال أهل الشام: (قد رضينا بعمرو). وقال الأشعث ومن كان معه من قراء أهل العراق: (قد رضينا نحن بأبي موسى).
فقال لهم علي: (لست أثق برأي أبي موسى، ولا بحزمه، ولكن أجعل ذلك لعبد الله بن عباس).
قالوا: (والله ما نفرق بينك وبين ابن عباس، وكأنك تريد أن تكون أنت الحاكم، بل اجعله رجلا هو منك ومن معاوية سواء، ليس إلى أحد منكما بأدنى منه إلى الآخر).
قال علي رضي الله عنه: (فلم ترضون لأهل الشام بابن العاص، وليس كذلك؟). قالوا: (أولئك أعلم، إنما علينا أنفسنا).
قال: (فإني أجعل ذلك إلى الأشتر).
قال الأشعث: (وهل سعر هذه الحرب إلا الأشتر، وهل نحن إلا في حكم الأشتر؟).
قال علي: (وما حكمه؟).
قال: (يضرب بعض وجوه بعض حتى يكون ما يريد الله).