تحت راياتهم، ثم جعل يدور على رايات أهل الشام، فيقول: (من هؤلاء؟) فيسمون له، حتى إذا عرفهم، وعرف مراكزهم، قال لأزد الكوفة:
(اكفوني أزد الشام)، وقال لخثعم: (اكفوني خثعم)، فأمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام، ثم أمرهم أن يحملوا من كل ناحية حملة رجل واحد، فحملوا، وحمل علي رضي الله عنه على الجمع الذي كان فيه معاوية في أهل الحجاز من قريش والأنصار وغيرهم، وكانوا زهاء اثني عشر ألف فارس، وعلى إمامهم، وكبروا وكبر الناس تكبيرة ارتجت لها الأرض، فانتقضت صفوف أهل الشام، واختلفت راياتهم، وانتهوا إلى معاوية، وهو جالس على منبره، معه عمرو بن العاص، ينظران إلى الناس، فدعا بفرس ليركبه.
ثم إن أهل الشام تداعوا بعد جولتهم، وثابوا، ورجعوا على أهل العراق، وصبر القوم بعضهم لبعض إلى أن حجز بينهم الليل، فقتل في ذلك اليوم أناس كثير من أعلام العرب وأشرافهم، فلما أصبحوا دخل الناس بعضهم في بعض، يستخرجون قتلاهم، فيدفنونهم يومهم ذلك كله.
ثم إن عليا قام في عشية ذلك اليوم في أصحابه فقال: (أيها الناس، اغدوا على مصافكم، وازحفوا إلى عدوكم، وغضوا الأبصار، واخفضوا الأصوات، وأقلوا الكلام، وأثبتوا، واذكروا الله كثيرا، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا، إن الله مع الصابرين).
وقام معاوية في أهل الشام، فقال: (أيها الناس، اصبروا وصابروا، ولا تتخاذلوا لا تتواكلوا، فإنكم على حق، ولكم حجة، وإنما تقاتلون من سفك الدم الحرام، فليس له في السماء عاذر).
وقام عمرو، فقال: (أيها الناس، قدموا المستلئمة وأخروا الحسر (1)، وأعيرونا جماجمكم اليوم، فقد بلغ الحق مقطعة، وإنما هو ظالم أو مظلوم).