فتكلم علي، وقال: (عباد الله، أنا أحرى من أجاب إلى كتاب الله، وكذلك أنتم، غير أن القوم ليس يريدون بذلك إلا المكر، وقد عضتهم الحرب، والله، لقد رفعوها وما رأيهم العمل بها، وليس يسعني مع ذلك أن ادعى إلى كتاب الله فأبى، وكيف وإنما قاتلناهم ليدينوا بحكمه).
فقال الأشعث: (يا أمير المؤمنين نحن لك اليوم على ما كنا عليه لك أمس، غير أن الرأي ما رأيت من أجابه القوم إلى كتاب الله حكما). فأما عدي بن حاتم وعمرو بن الحمق فلم يهويا ذلك، ولم يشيروا على علي به.
ولما أجاب علي رضي الله عنه، قالوا له: (فابعث إلى الأشتر ليمسك عن الحرب ويأتيك). وكان يقاتل في ناحية الميمنة، فقال علي ليزيد بن هانئ: (انطلق إلى الأشتر، فمره أن يدع ما هو فيه، ويقبل)، فأتاه، فأبلغه، فقال: (ارجع إلى أمير المؤمنين، فقل له إن الحرب قد اشتجرت بيني وبين أهل الناحية، فليس يجوز أن انصرف).
فانصرف يزيد إلى علي، فأخبره بذلك، وعلت الأصوات من ناحية الأشتر، وثار النقع (1)، فقال القوم لعلي، (والله ما نحسبك أمرته إلا بالقتال). فقال: (كيف أمرته بذلك، ولم أساره سرا؟!) ثم قال ليزيد: (عد إلى الأشتر، فقل له. أقبل، فإن الفتنة قد وقعت). فأتاه، فأخبره بذلك.
فقال الأشتر: (الرفع هذا المصاحف؟)، قال: (نعم). قال: (أما والله لقد ظننت بها حين رفعت، أنها ستوقع اختلافا وفرقة).
فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم، فقال: (يا أهل الوهن الذل، أ حين علوتم القوم تنكلون لرفع هذه المصاحف؟ أمهلوني فواقا (2))، قالوا: (لا ندخل معك في خطيئتك)، قال: (ويحكم، كيف بكم وقد قتل خياركم وبقي أراذلكم، فمتى كنتم محقين؟ أحين كنتم تقاتلون أم الآن حين أمسكتم؟ فما حال قتلاكم الذين