في أهل العراق، فخرج إليه سليمان بن صرد، وكان من فرسان علي، فاقتتلوا، فقتل حوشب، وجال أهل العراق جولة انتقضت صفوفهم، وانحاز أهل الحفاظ منهم مع علي رضي الله عنه إلى ناحية أخرى يقاتلون، وأقبل عدي بن حاتم يطلب عليا في موضعه الذي خلفه فيه، فلم يجده، فسأل عنه، فدل عليه، فأقبل إليه، فقال:
(يا أمير المؤمنين، أما إذ كنت حيا فالأمر أمم (1)، واعلم أني ما مشيت إليك إلا على أشلاء القتلى، وما أبقى هذا اليوم لنا ولا لهم عميدا).
وكان أكثر من صبر في تلك الساعة مع علي وقاتل ربيعة، فقال علي رضي الله عنه: (يا معشر ربيعة، أنتم درعي وسيفي) ثم ركب الفرس (2) الذي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم - يسمى الريح - وجنب بين يديه بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهباء، وتعمم بعمامته صلى الله عليه وسلم السوداء، ثم أمر مناديه، فنادى: (أيها الناس، من يشري نفسه لله؟) فانتدب له الناس، وانضموا إليه، فأقبل بهم على أهل الشام حتى أزال راياتهم، وجالوا جولة قبيحة حتى دعا معاوية بفرسه ليركبها، ثم نادى مناديه في أهل الشام:
(إلى أين أيها الناس؟ أثيبوا، فإن الحرب سجال فثاب إليه الناس، وكروا على أهل العراق.
وقال معاوية لعمرو: قدم عك والأشعرين، فإنهم كانوا أول من انهزم في هذه الجولة. فأتاهم عمرو، فبلغهم قول معاوية، فقال رئيسهم مسروق العكي: (انتظروني حتى آتي معاوية) فأتاه، فقال: (افرض لقومي في ألفين ألفين، ومن هلك منهم، فابن عمه مكانه)، قال: (ذلك لك)، فانصرف إلى قومه، فأعلمهم ذلك، فتقدموا، فاضطربوا هم وهمدان بالسيوف اضطرابا شديدا، فأقسمت عك لا ترجع حتى ترجع همدان، وأقسمت همدان على مثل ذلك.
فقال عمرو لمعاوية: (لقيت أسد أسدا، لم أر كاليوم قط.) فقال معاوية: (لو أن معك حيا آخر كعك، ومع علي كهمدان لكان الفناء).