فبات الفريقان طول تلك الليلة يتعبون للحرب، ثم غدوا على مصافهم، وحمل الفريقان بعضهم على بعض، وحمل حبيب بن مسلمة، وكان على ميسرة معاوية، على ميمنة علي رضي الله عنه، فانكشفوا وجالوا جولة، ونظر علي إلى ذلك، فقال لسهل بن حنيف: (انهض فيمن معك من أهل الحجاز حتى تعين أهل الميمنة، فمضى سهل فيمن كان معه من أهل الحجاز نحو الميمنة، فاستقبلهم جموع أهل الشام، فكشفوه ومن معه حتى انتهوا إلى علي، وهو في القلب، فجال القلب وفيه على جولة، فلم يبق مع علي إلا أهل الحفاظ والنجدة، فحث علي فرسه نحو ميسرته، وهم وقوف يقاتلون من بإزائهم من أهل الشام، وكانوا ربيعة.
قال زيد بن وهب: فإني لأنظر إلى علي، وهو يمر نحو ربيعة، ومعه بنوه:
الحسن والحسين ومحمد، وإن النبل ليمر بين أذنيه وعاتقه، وبنوه يقونه بأنفسهم، فلما دنا علي من الميسرة، وفيها الأشتر، وقد وقفوا في وجوه أهل الشام يجالدونهم، فناداه علي، وقال: (إيت هؤلاء المنهزمين، فقل: أين فراركم من الموت الذي لم تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم).
فدفع الأشتر فرسه، فعارض المنهزمين، فناداهم: (أيها الناس، إلي إلي، أنا مالك بن الحارث) فلم يلتفتوا إليه، فظن أنه بالاستعراف، فقال: (أيها الناس أنا الأشتر) فثابوا إليه، فزحف بهم نحو ميسرة أهل الشام. فقاتل بهم قتالا شديدا حتى انكشف أهل الشام، وعادوا إلى مواقفهم الأولى.
ورتب الأشتر ميمنة علي رضي الله عنه والقلب مراتبهما قبل الجولة، فلما عادوا إلى مواقفهم جعل على يسير في الصفوف ويؤنبهم على ما كان من جولتهم، وذلك ما بين صلاة العصر والمغرب.
قال: ثم إن أهل الشام حملوا على تميم، وكانوا في الميمنة، فكشفوهم، فناداهم زحر (1) بن نهشل: يا بني تميم، إلى أين؟ قالوا: (ألا ترى إلى ما قد غشينا؟!)