أمر الناس غما شديدا، وضاق بما أصابهم من العطش ذرعا، فأتاه الأشعث بن قيس فقال: يا (أمير المؤمنين، أيمنعنا القوم الماء وأنت فينا ومعنا سيوفنا؟ ولني الزحف إليه، فوالله لا أرجع أو أموت، ومر الأشتر فلينضم إلي في خيله)، فقال له علي:
(إيت في ذلك ما رأيت). فلما أصبح زاحف أبا الأعور، فاقتتلوا، وصدقهم الأشتر والأشعث حتى نفيا أبا الأعور وأصحابه عن الشريعة، وصارت في أيديهما، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: (ما ظنك بالقوم اليوم إن منعوك الماء كما منعتهم أمس؟، فقال معاوية: (دع ما مضى، (ما ظنك بعلي؟)، قال: (ظني أنه لا يستحل منك ما استحللت منه، لأنه أتاك في غير أمر الماء).
ثم توادع الناس، وكف بعضهم عن بعض، وأمر علي ألا يمنع أهل الشام من الماء، فكانوا يسقون جميعا، ويختلط بعضهم ببعض، ويدخل بعضهم في معسكر بعض، فلا يعرض أحد من الفريقين لصاحبه إلا بخير، ورجوا أن يقع الصلح.
وأقبل عبيد الله بن عمر بن الخطاب حتى استأذن على علي، فأذن له، فدخل عليه، فقال له علي: (أقتلت الهرمزان ظلما، وقد كان أسلم على يدي عمي العباس، وفرض له أبوك في ألفين، وترجو أن تسلم مني؟).
فقال له عبيد الله: (الحمد لله الذي جعلك تطلبني بدم الهرمزان، وأنا أطلبك بدم أمير المؤمنين عثمان).
فقال له علي: (ستجمعنا وإياك الحرب، فتعلم).
قال: فلم يزالوا يتراسلون شهري ربيع (1) وجمادى الأولى، ويفزعون فيما بين ذلك، يزحف بعضهم إلى بعض، فيحجز بينهم القراء والصالحون، فيفترقون من غير