فغضب أحياء العرب للكرماني، فاعتزلوا نصر بن سيار، واجتمع إلى نصر المضرية، فطابقوه وشايعوه.
وكان للكرماني مولى من أبناء العجم، ذو دهاء وتجربة، وكان يخدمه في محبسه، وكان الكرماني رجلا ضخما عظيم الجثة، عريض ما بين المنكبين، فقال له مولاه:
- أتوطن نفسك على الشدة والمخاطرة حتى أخرجك من الحبس؟
قال له الكرماني: وكيف تخرجني؟
قال: إني قد عينت على ثقب ضيق، يخرج منه ماء المطر إلى الفارقين، فوطن نفسك على سلخ جلدك لضيق الثقب.
قال الكرماني: لا بد من الصبر، فاعمل ما أردت.
فخرج مولاه إلى اليمانية، فواطأهم، ووطنهم في طريقه، فلما جن الليل، ونام الأحراس أقبل مولاه من خارج السور، فوقف له على باب الثقب، وأقبل الكرماني حتى أدخل رأسه في الثقب، وبسط فيه يديه حتى نالت يداه كفى مولاه، فاجتذبه اجتذابه شديدة، سلخ بها بعض جلده، ثم اجتذبه ثانية حتى انتهى به إلى النصف، فإذا هو بحية في الثقب، فنادى الكرماني مولاه:
(بذبخت، مارمار) أي (حية قد عرضت)،، فقال لمولاه: (أمهلني ساعة، حتى أفيق، ويسكن ما بي من وجع الانسلاخ).
فلما رجعت إلى الكرماني نفسه نزل من ذلك التل، وأتي بدابة ركبها حتى انتهى إلى منزله، واجتمعت إليه الأزد، وسائر من بخراسان من اليمانية، وانحازت ربيعة معهم.
وبلغ نصر بن سيار الخبر، فدعا بصاحب الحبس فضرب عنقه، وظن أن ذلك كان بمواطاة منه.