وإن رجلا يسمى عبد الرحمن بن ثويب الكلبي دخل على خالد بن عبد الله، فسلم عليه، وعنده نفر من أشراف أهل الشام، فقال له:
(يا أبا الهيثم، إني أحبك [لعشر خصال فيك يحبها (1) الله منك: كرمك، وعفوك، ودينك، وعدلك، ورأفتك، ووقارك في مجلسك، ونجدتك، ووفاؤك، وصلتك ذوي رحمك، وأدبك).
فأثنى عليه خالد، وقال له خيرا.
وبلغ هشاما ذلك فقال:
أبلغ من أمر الفاسق عبد الرحمن بن ثويب أن يصف خالدا بمحاسن لم تجتمع في أحد من الخلفاء المؤتمنين على عباد الله وبلاده؟
ثم أمر به، فأحسن أدبه، ونفى عن دمشق.
وبلغ ذلك خالدا، وعنده أناس من وجوه أهل الشام، فقال لهم:
(ألا تعجبون من صنيع هشام برجل ذكر مني خصالا؟ زعم أنه يحبني لها، فضربه وطرده، وإن أعظم مما قال في عبد الرحمن بن ثويب قول عبد الله بن صيفي حين قال له: يا أمير المؤمنين، أخليفتك في أهلك أحب إليك وآثر عندك أم رسولك؟).
قال هشام: بل خليفتي في أهلي.
قال: فأنت خليفة الله في أرضه وخلقه، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنت أكرم على الله منه، فلم ينكر هذه المقالة من عبد الله بن صيفي، وهي تضارع الكفر، ويغضب على عبد الرحمن بن ثويب، وينكر عليه ما وصفني به من خصال، يحبها الله، فأحبني لها.
فلم يحفل هشام حين بلغه ذلك من قول خالد، ولم يؤاخذه بشئ من مقالته، فلما تم لخلافة هشام تسع عشرة سنة وسبعة أشهر مرض مرضته التي مات، فأسند الخلافة إلى ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك.