حين تهتكت ستورك، وتحيرت أمورك، فأصبحت حيران تائها، لهفان لا تعرف حقا، ولا تلائم صدقا، ولا ترتق فتقا، ولا تفتق رتقا، وطالما تطاولت فيما تناولت، فصرت في الغي مذبذبا، وعلى الشرارة مركبا، فتدبر أمرك، وقس شبرك بفترك (1)، فإنك مراق عراق (2)، ومعك عصابة فساق، جعلوك مثالهم، كحذوهم نعالهم، فاستعد للأبطال بالسيوف والعوال (3)، فستذوق وبال أمرك، ويرجع عليك غيك، والسلام).
فلما قرأ الحجاج الكتاب عرف ألفاظ ابن القرية، وعلم أنه من إملائه.
فكتب إلى عبد الرحمن في جوابه.
(بسم الله الرحمن الرحيم، من الحجاج بن يوسف إلى عبد الرحمن بن الأشعث، سلام على أهل التورع لا التبدع، فإني أحمد الله الذي حيرك بعد البصيرة، فمرقت عن الطاعة، وخرجت عن الجماعة، فعسكرت في الكفر، وذهلت عن الشكر، فلا تحمد الله في سراء، ولا تصبر لأمره في ضراء، قد أتاني كتابك بلفظات فاجر، فاسق غادر، وسيمكن الله منه، ويهتك ستوره، أما بعد فهلم إلى فعل وفعال، ومعانقة الأبطال بالبيض والعوال، فإن ذلك أحرى بك من قيل وقال، والسلام على من اتبع الهدى، وخشي الله، واتقى).
وإن عبد الملك وجه إلى الحجاج عشرة آلاف رجل من فرسان أهل الشام لمحاربة عبد الرحمن بن محمد.
فلما قدموا عليه تجهز، وسار نحو عبد الرحمن، فالتقوا بالأهواز، فاقتتلوا، فانهزم عبد الرحمن، ومضى على وجهه، فمر على رجل من أصحابه مسلوب حاف، يمشي ويعثر.