فقال ابن القرية: اسمع مني ثلاث كلمات، تكن بعدي مثلا.
قال: هات.
قال: لكل جواد كبوة، ولكل حليم هفوة، ولكل شجاع نبوة.
فوضع الحجاج الحربة في ثندوة ابن القرية، ودفعها حتى خالطت جوفه، ثم خضخضها (1)، وأخرجها، فاتبعها دم أسود.
فقال الحجاج:
هكذا تشخب أوداج الإبل.
وفحص ابن القرية برجليه وشخص بصره، وجعل الحجاج ينظر إليه حتى قضى.
فحمل في النطع (2).
فقال الحجاج:
لله درك يا ابن القرية، أي أدب فقدنا منك، وأي كلام رصين سمعنا منك.
* * * ودخل بعد ذلك أنس بن مالك.
فقال له الحجاج:
هيه يا أنس، يوما مع المختار، ويوما مع ابن الأشعث، جوال في الفتن، والله لقد هممت أن أطحنك طحن الرحى بالثفال (3)، وأجعلك غرضا للنبال.
قال أنس: من يعني الأمير؟ أصلحه الله.
قال: إياك أعني، أسك الله سمعك.
فانصرف أنس إلى منزله، وكتب من ساعته إلى عبد الملك بن مروان:
(بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين من أنس بن مالك،