فخرج رجاء بن حياة، فأخبر يزيد وهشاما بذلك، فرضيا، وسلما، وبايعا، ثم بايع بعدهما جميع الناس.
وكان أكبر ولده يومئذ محمد بن سليمان، فكانت له اثنتا عشرة سنة.
وجعل يقول، وهو يجود بنفسه:
إن بني صبية صيفيون * أفلح من كان له ربعيون وذكر عن الكلبي أنه قال: بعث إلى سليمان بن عبد الملك، فدخلت عليه، وقد انتفخ سحري (1)، فسلمت عليه بالخلافة، فرد علي السلام.
ثم أومأ إلي، فجلست، فسكت عني حتى إذا سكن جأشي، قال لي:
يا كلبي، إن ابني محمدا قرة عيني وثمرة قلبي، وقد رجوت أن يبلغ الله به أفضل ما بلغ رجلا من أهل بيته، وقد وليتك تأديبه، فعلمه القرآن، وروه الأشعار، فإن الشعر ديوان العرب، وفهمه أيام الناس، وخذه بعلم الفرائض، وفهمه السنن، ولا تفتر عنه ليلا ونهارا، فإذا أخطأ بكلمة، أو زل بحرف، أو هفا بقول، فلا تؤنبه بين يدي جلسائه، ولكن إذا خلا لك مجلسك، لئلا تمحكه، (2) وإذا دخل عليه الناس للتسليم، فخذه بألطافهم وإظهار برهم، وإذا حياة فليحيهم بأحسن منها، وأطيبا لمن حضر بمائدتكما الطعام، وأحمله على طلاقة الوجه، وحسن البشر، وكظم الغيظ، وقلة القذر، والتثبت في المنطق، والوفاء بالعهد، وتنكب الكذب، ولا يركبن فرسا مخذوفا (3)، ولا مهلوبا (4) ولا يركبن بسرج صغير، فتبدو أليتاه منه).
قال: فلم يلبث سليمان بعد ذلك إلا قليلا حتى مات.