يجتلدون بالسيوف، فألقى السلاح بين يديه، فلما نظر علي رضي الله عنه إلى السيف، قال: (إن هذا السيف طالما فرج به صاحبه الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبشر يا قاتل ابن صفية بالنار)، فقال عمرو:
(نقتل أعداءكم، وتبشروننا بالنار؟!).
قالوا: ثم إن عليا أمر ابنه محمد بن الحنفية، فقال: تقدم برايتك. وكان معه الراية العظمى، فتقدم بها وقد لاث (1) أهل البصرة بعبد الله بن الزبير، وقلدوه الأمر، فتقدم محمد بالراية، فاستقبله أهل البصرة بالقنا والسيوف، فوقف بالراية، فتناولها منه علي رضي الله عنه، وحمل وحمل معه الناس، ثم ناولها ابنه محمدا، واشتد القتال وحميت الحرب، وانكشف الناس عن الجمل، وقتل كعب بن سور، وثبتت الأزد وضبة، فقاتلوا قتالا شديدا.
فلما رأى علي شدة صبر أهل البصرة جمع إليه حماة أصحابه، فقال: إن هؤلاء القوم قد محكوا (2)، فاصدقوهم القتال، فخرج الأشتر وعدي بن حاتم وعمرو بن الحمق وعمار بن ياسر في عددهم من أصحابهم، فقال عمرو بن يثربي لقومه، وكانوا في ميمنة أهل البصرة (إن هؤلاء القوم الذين قد برزوا إليكم من أهل العراق هم قتلة عثمان، فعليكم بهم)، وتقدم أمام قومه بني ضبة، فقاتل قتالا شديدا، وكثرت النبل في الهودج، حتى صار كالقنفذ، وكان الجمل مجففا (3)، والهودج مطبق بصفائح الحديد . وصبر الفريقان بعضهم لبعض حتى كثرت القتلى وثار القتام، وطلت الألوية والرايات، وحمل على بنفسه، وقاتل حتى انثنى سيفه، وخرج فارس أهل البصرة عمرو بن الأشرف، لا يخرج إليه أحد من أصحاب على إلا قتله، وهو يرتجز، ويقول: