ثم انصرف علي إلى قومه، وقال لأصحابه: (احملوا على القوم، فقد أعذرنا إليهم)، فحمل بعضهم على بعض، فاقتتلوا. بالقنا والسيوف. وأقبل الزبير حتى دنا من ابنه عبد الله وبيده الراية العظمى، فقال: (يا بني، أنا منصرف)، قال: (وكيف يا أبت؟)، قال: (ما لي في هذا الأمر من بصيرة، وقد اذكرني على أمرا، قد كنت غفلت عنه، فانصرف يا بني معي)، فقال عبد الله: (والله لا أرجع أو يحكم الله بيننا). فتركه الزبير، ومضى نحو البصرة ليتحمل منها، ويمضي نحو الحجاز. ويقال: إن طلحة لما علم بانصراف الزبير هم أن ينصرف، فعلم مروان بن الحكم ما يريده، فرماه بسهم، فوقع في ركبته، فنزف حتى مات.
وأقبل الزبير حتى دخل البصرة، وأمر غلمانه أن يتحملوا، فيلحقوا به، وخرج من ناحية الخريبة، فمر بالأحنف بن قيس، وهو جالس بفناء داره، وحوله قومه، وقد كانوا اعتزلوا الحرب، فقال الأحنف: (هذا الزبير، ولقد انصرف لأمر، فهل فيكم من يأتينا بخبره؟)، فقال له عمرو بن جرموز:
(أنا آتيك بخبره). فركب فرسه، وتقلد سيفه، ومضى في أثره، وذلك قبل صلاة الظهر، فلحقه، وقد خرج من دور البصرة، فقال له: (أبا عبد الله، ما الذي تركت عليه القوم؟)، قال الزبير: (تركتهم، وبعضهم يضرب وجوه بعض بالسيف)، قال: (فأين تريد؟)، قال: (انصرف لحال بالي، فما لي في هذا الأمر من بصيرة). قال عمرو بن جرموز: (وأنا أيضا أريد الخريبة ، فسر بنا). فسارا حتى دنا وقت الصلاة، فقال الزبير: (إن هذا وقت الصلاة، وأنا أريد أن أقضيها)، قال عمرو: (وأنا أريد أن أقضيها)، قال الزبير:
(أنت مني في أمان، فهل أنا منك كذلك)، قال: (نعم). فنزلا جميعا، وقام الزبير في الصلاة، فلما سجد حمل عليه عمرو بالسيف، فضربه حتى قتله، وأخذ درعه وسيفه وفرسه، وأقبل حتى أتى عليا، وهو واقف، والناس