ينقل التصريح بالقول المذكور إلا عن الشيخ قدس سره وبعض من تأخر عنه ممن تعرض للمسائل الأصولية وألف فيها. وهم قليلون لا يكشف اتفاقهم عن الحكم الشرعي، وأما الباقون فما كانوا يهتمون بتحرير المسائل الأصولية، بل صرح بعض من حررها بعدم الحجية كالمرتضى قدس سره، بل بامتناعها كابن قبة، فلا مجال للاستدلال بالوجه المذكور.
والعمدة الوجه الثاني، وهو الاجماع العملي.
وتقريبه بأحد وجوه..
الأول: إجماع العلماء على العمل به في مقام الفتوى واستنباط الحكم الشرعي.
الثاني: إجماع المسلمين بما هم مسلمون متدينون على العمل به والرجوع إليه في معرفة الحكم، وهو المعبر عنه في كلامهم بسيرة المتشرعة.
الثالث: إجماع العقلاء بما هم عقلاء على العمل به.
والفرق بين الوجوه الثلاثة: أن الوجه الثالث لا ينهض بالاستدلال إلا بضميمة الامضاء، أو عدم الردع من قبل الشارع الأقدس على ما يأتي الكلام فيه.
أما الوجهان الأولان فهما ينهضان للاستدلال بأنفسهما، لكشفهما عن رضا الشارع الأقدس، لامتناع حصولهما عادة مع عدم رضاه بالحكم، حيث يمتنع جهل المسلمين بأجمعهم بمراده، وخصوصا العلماء منهم، لامتناع خفاء مراده عليهم مع بذلهم الجهد في معرفة الاحكام عن المعصومين عليهم السلام ومخالطة كثير منهم لهم عليهم السلام وأخذهم عنهم خصوصا في مثل هذه المسألة المهمة التي يكثر الابتلاء بها، وبها نظم الفقه وعليها أساس الاستنباط.
كما أنه لا مجال لرفع اليد عن الوجهين المذكورين بظهور بعض الأدلة في الردع لأنهما قطعيان يكشفان عن خلل في الدليل الرادع مانع من الاعتماد عليه.