المقام الأول: في تحقيق حال عمل المكلف الذي يكون به التجري، وأنه هل يكون محرما شرعا أو لا؟ وقد يوجه تحريمه بوجوه..
الوجه الأول: أن الخطابات الأولية بالتكاليف الشرعية الواردة على العناوين الخاصة - كالخمر والصلاة وغيرهما - لا تختص بالمعنونات الواقعية، بل لا بد من صرفها إلى ما يعتقد بانطباق العناوين عليه وإن كان خطأ، فيكون مورد التجري مشمولا لاطلاق الأدلة المذكورة أو عمومها.
وقد يستفاد مما ذكره غير واحد توجيه ذلك بدعوى: أن التكليف لا بد أن يتعلق بما هو مقدور للمكلف، بنحو يقتضي توجه الاختيار والإرادة نحوه، فالمطلوب الأصلي للمولى توجه اختيار المكلف وإرادته نحو الفعل، وحيث كان تمام الموضوع للإرادة والاختيار هو الصور الذهنية الحاصلة حين القطع - ولو مع الخطأ - لا المعنونات الواقعية، لعدم السنخية بينها وبين الاختيار والإرادة اللذين موطنهما النفس، فيمتنع تأثيرها فيهما، لزم صرف التكليف بالعناوين الواقعية إلى التكليف بالاختيار المتعلق بالصور الذهنية الحاصلة مع القطع، فمرجع التكليف بحرمة الخمر - مثلا - إلى التكليف باختيار ترك ما يقطع بكونه خمرا، كما أن مرجع التكليف بوجوب الصلاة - مثلا - إلى التكليف باختيار فعل ما يقطع بكونه صلاة، سواء كان القطع مصيبا أم مخطئا.
وفيه.. أولا: أنه مختص بما إذا كان الخطأ في الموضوع الثابت له الحكم، كالخمر، ولا يجري فيما لو كان الخطأ في أصل ثبوت الحكم، كما لو قطع خطأ بحرمة عصير الزبيب مثلا، إذ لا إطلاق في البين، حتى يتوهم عمومه لحال الخطأ.
وثانيا: أنه مستلزم لرجوع جميع التكاليف التحريمية إلى تكاليف وجوبية باعمال الاختيار في ترك الحرام، ولعدم تحقق الامتثال لو فرض موافقة التكليف غفلة من دون إعمال الإرادة والاختيار - نظير ما قيل من أن النهي