الثاني: إن هذه الحالات النفسية الثلاث لا علاقة لها بالحكم الشرعي ولا بالطرق المؤدية له فلا وجه لجعل التصنيف الأصولي دائرا مدارها، أما بالنسبة للقطع فما هو المبرر للبحث عنه وجعله محورا لعدة من البحوث؟ فإن كان المبرر للبحث عنه كونه واسطة في جعل الحكم الشرعي فذلك مستحيل لان ثبوت الحكم الشرعي بسبب القطع به دور باطل كما ذكر في علم الأصول، وإن كان المبرر للبحث كونه واسطة في فعلية الحكم كموضوعية الزوال لوجوب الصلاة فهذه ليست ميزة خاصة بالقطع توجب البحث عنه بعنوانه بل هي متوفرة في كل موضوع بالنسبة لأي حكم من الاحكام، وإن كان المبرر لذلك كون القطع منشأ للحكم العقلي بالمنجزية والمعذرية كما اشتهر في كتب الأصول بأن حجية القطع ذاتية له، فيلاحظ عليه بان منشأ المنجزية والمعذرية ليس القطع بما هو قطع حتى يكون ذلك مصححا ومبررا للبحث عن القطع بعنوانه بل منشأ المعذرية وعدمها هو روح المسؤولية وروح التقصير في مقدمات الحكم، فإن سار المكلف مع المقدمات بروح المحاسبة والمسؤولية فهو معذور عند مخالفة الواقع وإلا فهو مدان سواءا في ذلك وجود القطع وعدمه، فإننا ذكرنا في بحث القطع الفرق بين اليقين الذاتي واليقين الموضوعي فاليقين الموضوعي هو اليقين الناشئ عن تراكم الاحتمالات والقرائن في محور واحد، وهذا العمل بذاته عمل معذر لأنه مستبطن للمسؤولية والمحاسبة الداخلية سواءا كان هناك قطع أم لا، واليقين الذاتي هو الناشئ عن العوامل المزاجية والنفسية كالحلم والاستخارة، وهذا ليس معذرا بنظر العقلاء فإن قائد الجيش لو اعتمد على معلومات ناشئة عن مصادر واهية أوجبت له القطع بأمر معين فرتب عليه آثار الحرب والسلم لا يكون معذورا أمام القانون والشعب، وليس السر في ذلك الا أن القطع بما هو قطع ليس هو مدار المعذرية والمنجزية بل المدار على روح المسؤولية وروح التقصير في مقدمات الحكم سواءا كان هناك قطع أم لا، ولذلك نرى القرآن
(٣٤)