السند والبحث في حجية الظهور، كل ذلك من أجل تقريب التصنيف الأصولي للمسائل إلى واقع عملية الاستنباط وما يقع فيها من تصنيف للمواقف، فكما أن عملية الاستنباط تشتمل على مرحلتين مترتبتين وهما الأدلة والأصول كذلك البحث في علم الأصول يصنف إلى هذين الصنفين، وكما ان الفقيه في مجال الأدلة تارة يستدل بالدليل الشرعي وأخرى بالدليل العقلي كذلك علم الأصول يبحث الأدلة الشرعية تارة والأدلة العقلية أخرى، وكما ان الفقيه حين يواجه دليلا شرعيا يتكلم عنه دلالة وسندا وجهة كذلك علم الأصول يبحث الجهات الثلاث في الدليل الشرعي. وهذا الحرص على تطبيق التصنيف الأصولي للقواعد على عملية الاستنباط قد لا يكون له مغزى من الناحية الفنية البحتة ولكنه مهم من الناحية التربوية وجعل الطالب مأنوس الذهن بالقواعد الأصولية بمواقعها المحددة في عملية الاستنباط، وهذا يمتاز على التصنيف الثنائي المشهور ويمتاز على التصنيف الرباعي الذي اقترحه المحقق الأصفهاني وسار عليه كتاب (أصول الفقه) إذ في كلا التصنيفين تفصل حجية الظهور وحجية السند عن أبحاث الدلالة بينما الجهات الثلاث متلاحمة مترابطة في عملية الاستنباط، فلكي يوحي التصنيف بصورة للقواعد الأصولية تتفق مع مواقعها في عملية الاستنباط لا بد من اتباع ما ذكرناه.
خامسا: انا لاحظنا في استعراضنا لآحاد المسائل ضمن التصنيف المذكور الابتداء بالبسيط والانتهاء إلى المعقد والتدرج في عرضها حسب درجات تعقيداتها وترابطاتها، وحرصنا على أن لا نعرض مسألة إلا بعد أن نكون قد استوفينا مسبقا كل ما له دخل في تحديد التصورات العام فيها، وان لا نعطى في كل مسألة من الاستدلال والبحث إلا بالقدر الذي تكون أصوله الموضوعية مفهومة بلا حاجة إلى الرجوع إلى مسألة لاحقة. وقد كلفنا هذا في جملة من الأحيان ان نغير ترتيب المسائل من حلقة إلى أخرى، فمثلا قدمنا الكلام عن امتناع اجتماع الأمر والنهي على الكلام عن بحث الملازمة بين