هذا كله على المسلك المختار المشهور القائل بأن الدلالة الوضيعة هي الدلالة التصورية. وأما بناء على مسلك التعهد القائل بأن الدلالة الوضعية هي الدلالة التصديقية، وأن المدلول الجدي للجملة التامة هو المعنى الموضوع له ابتداء فلا بد من الالتزام بتعدد المعنى في تلك الموارد لاختلاف المدلول الجدي.
ثم إن الظاهر من الصيغة أن المدلول التصديقي الجدي هو الطلب دون سائر الدواعي الأخرى، وذلك لأنه ان قيل بأن المدلول التصوري هو النسبة الطلبية، فواضح أن الطلب مصداق حقيقي للمدلول التصوري دون سائر الدواعي، فيكون أقرب إلى المدلول التصوري وظاهر كل كلام أن مدلوله التصديقي أقرب ما يكون للتطابق والمصداقية للمدلول التصوري، وأما إذا قيل بأن المدلول التصوري هو النسبة الارسالية، فلان المصداق الحقيقي لهذه النسبة إنما ينشأ من الطلب لا من سائر الدواعي فيتعين داعي الطلب بظهور الكلام.
ولكن قد ينفق أحيانا أن يكون المدلول الجدي هو قصد الاخبار عن حكم شرعي آخر غير طلب المادة أو إنشاء ذلك الحكم وجعله، كما في قوله:
(اغسل ثوبك من البول) فإن المراد الجدي من إغسل ليس طلب الغسل، إذ قد يتنجس ثوب الشخص فيهمله ولا يغسله ولا إثم عليه، وإنما المراد بيان أن الثوب يتنجس بالبول. وهذا حكم وضعي وإنه يطهر بالغسل، وهذا حكم وضعي آخر، وفي هذه الحالة تسمى الصيغة بالأمر الارشادي لأنها إرشاد وإخبار عن ذلك الحكم.
وكما أن المعروف في دلالة مادة الامر على الطلب أنها تدل على الطلب الوجوبي، كذلك الحال في صيغة الامر بمعنى أنها تدل على النسبة الارسالية الحاصلة من إرادة لزومية، وهذا هو النسبة للتبادر بحسب الفهم العرفي العام.