قلت: إنما يخرج بذلك عن الاختيار، لو لم يكن تعلق الإرادة بها مسبوقة بمقدماتها الاختيارية، وإلا فلا بد من صدورها بالاختيار، وإلا لزم تخلف إرادته عن مراده، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
إن قلت: إن الكفر والعصيان من الكافر والعاصي ولو كانا مسبوقين بإرادتهما، إلا أنهما منتهيان إلى ما لا بالاختيار، كيف؟ وقد سبقهما الإرادة الأزلية والمشية الإلهية، ومعه كيف تصح المؤاخذة على ما يكون بالآخرة بلا اختيار؟
قلت: العقاب إنما بتبعة الكفر والعصيان التابعين للاختيار الناشئ عن مقدماته، الناشئة عن شقاوتهما الذاتية اللازمة لخصوص ذاتهما، فإن (السعيد سعيد في بطن أمه، والشقي شقي في بطن أمه) (1) و (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة) (2)، كما في الخبر، والذاتي لا يعلل، فانقطع سؤال: إنه لم جعل السعيد سعيدا والشقي شقيا؟ فإن السعيد سعيد بنفسه والشقي شقي كذلك، وإنما أوجدهما الله تعالى (قلم اينجا رسيد سر بشكست) (3)، قد إنتهى الكلام في المقام إلى ما ربما لا يسعه كثير من الافهام، ومن الله الرشد والهداية وبه الاعتصام.
وهم ودفع: لعلك تقول: إذا كانت الإرادة التشريعية منه تعالى عين علمه بصلاح الفعل، لزم - بناء على أن تكون عين الطلب - كون المنشأ بالصيغة في الخطابات الإلهية هو العلم، وهو بمكان من البطلان.