الخامس: إنه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبار المغايرة - كما عرفت - بين المبدأ وما يجري عليه المشتق، في اعتبار قيام المبدأ به، في صدقه على نحو الحقيقة، وقد استدل من قال (1) بعدم الاعتبار، بصدق الضارب والمؤلم، مع قيام الضرب والألم بالمضروب والمؤلم - بالفتح -.
والتحقيق: إنه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولى الألباب، في أنه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها، من التلبس بالمبدأ بنحو خاص، على اختلاف أنحائه الناشئة من اختلاف المواد تارة، واختلاف الهيئات أخرى، من القيام صدورا أو حلولا أو وقوعا عليه أو فيه، أو انتزاعه عنه مفهوما مع اتحاده معه خارجا، كما في صفاته تعالى، على ما أشرنا إليه آنفا، أو مع عدم تحقق إلا للمنتزع عنه، كما في الإضافات والاعتبارات التي لا تحقق لها، ولا يكون بحذائها في الخارج شئ، وتكون من الخارج المحمول، لا المحمول بالضميمة، ففي صفاته الجارية عليه تعالى يكون المبدأ مغايرا له تعالى مفهوما، وقائما به عينا، لكنه بنحو من القيام، لا بأن يكون هناك اثنينية، وكان ما بحذائه غير الذات، بل بنحو الاتحاد والعينية، وكان ما بحذائه عين الذات، وعدم اطلاع العرف على مثل هذا التلبس من الأمور الخفية لا يضر بصدقها عليه تعالى على نحو الحقيقة، إذا كان لها مفهوم صادق عليه تعالى حقيقة، ولو بتأمل وتعمل من العقل. والعرف إنما يكون مرجعا في تعيين المفاهيم، لا في تطبيقها على مصاديقها.
وبالجملة: يكون مثل العالم، والعادل، وغيرهما - من الصفات الجارية عليه تعالى وعلى غيره - جارية عليهما بمفهوم واحد ومعنى فارد، وإن اختلفا فيما يعتبر في الجري من الاتحاد، وكيفية التلبس بالمبدأ، حيث أنه بنحو العينية فيه تعالى، وبنحو الحلول أو الصدور في غيره، فلا وجه لما التزم به في