سادسها: إنه لا أصل في نفس هذه المسألة يعول عليه عند الشك، وأصالة عدم ملاحظة الخصوصية، مع معارضتها بأصالة عدم ملاحظة العموم، لا دليل على اعتبارها في تعيين الموضوع له، وأما ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز. إذا دار الامر بينهما لاجل الغلبة، فممنوع، لمنع الغلبة أولا، ومنع نهوض حجة على الترجيح بها ثانيا.
وأما الأصل العملي فيختلف في الموارد، فأصالة البراءة في مثل (أكرم كل عالم) يقتضي عدم وجوب إكرام ما (1) انقضى عنه المبدأ قبل الايجاب، كما أن قضية الاستصحاب وجوبه لو كان الايجاب قبل الانقضاء.
فإذا عرفت ما تلونا عليك، فاعلم أن الأقوال في المسألة وإن كثرت، إلا أنها حدثت بين المتأخرين، بعد ما كانت ذات قولين بين المتقدمين، لاجل توهم اختلاف المشتق باختلاف مباديه في المعنى، أو بتفاوت ما يعتريه من الأحوال، وقد مرت الإشارة (2) إلى أنه لا يوجب التفاوت فيما نحن بصدده، ويأتي له مزيد بيان في أثناء الاستدلال على ما هو المختار، وهو اعتبار التلبس في الحال، وفاقا لمتأخري الأصحاب والأشاعرة، وخلافا لمتقدميهم والمعتزلة، ويدل عليه تبادر خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال، وصحة السلب مطلقا عما انقضى عنه، كالمتلبس به في الاستقبال، وذلك لوضوح أن مثل: القائم والضارب والعالم، وما يرادفها من سائر اللغات، لا يصدق على من لم يكن متلبسا بالمبادئ، وإن كان متلبسا بها قبل الجري والانتساب، ويصح سلبها عنه، كيف؟ وما يضادها بحسب ما ارتكز من معناها في الأذهان يصدق عليه، ضرورة صدق القاعد عليه في حال تلبسه بالقعود، بعد انقضاء تلبسه بالقيام، مع وضوح التضاد بين القاعد والقائم بحسب ما ارتكز لهما من المعنى، كما لا يخفى.