إذا ورد (العنب إذا غلى يحرم) كان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفا هو خصوص العنب، ولكن العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم ويتخيلونه من المناسبات بين الحكم وموضوعه، يجعلون الموضوع للحرمة ما يعم الزبيب ويرون العنبية والزبيبية من حالاته المتبادلة، بحيث لو لم يكن الزبيب محكوما بما حكم به العنب، كان عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه، ولو كان محكوما به كان من بقائه، ولا ضير في أن يكون الدليل بحسب فهمهم على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بسبب ما تخيلوه من الجهات والمناسبات فيما إذا لم تكن بمثابة تصلح قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه.
ولا يخفى أن النقض وعدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع، فيكون نقضا بلحاظ موضوع، ولا يكون بلحاظ موضوع آخر، فلا بد في تعيين أن المناط في الاتحاد هو الموضوع العرفي أو غيره، من بيان أن خطاب (لا تنقض) قد سيق بأي لحاظ؟.
فالتحقيق أن يقال: إن قضية إطلاق خطاب (لا تنقض) هو أن يكون بلحاظ الموضوع العرفي، لأنه المنساق من الاطلاق في المحاورات العرفية ومنها الخطابات الشرعية، فما لم يكن هناك دلالة على أن النهي فيه بنظر آخر غير ما هو الملحوظ في محاوراتهم، لا محيص عن الحمل على أنه بذاك اللحاظ، فيكون المناط في بقاء الموضوع هو الاتحاد بحسب نظر العرف، وإن لم يحرز بحسب العقل أو لم يساعده النقل، فيستصحب مثلا ما يثبت بالدليل للعنب إذا صار زبيبا، لبقاء الموضوع واتحاد القضيتين عرفا، ولا يستصحب فيما لا اتحاد كذلك وإن كان هناك اتحاد عقلا، كما مرت الإشارة إليه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي (1)، فراجع.
المقام الثاني: إنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الامارة المعتبرة