وقد انقدح بذلك أنه لا مجال له في نفس النبوة، إذا كانت ناشئة من كمال النفس بمثابة يوحى إليها، وكانت لازمة لبعض مراتب كمالها، إما لعدم الشك فيها بعد اتصاف النفس بها، أو لعدم كونها مجعولة بل من الصفات الخارجية التكوينية، ولو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النفس عن تلك المرتبة وعدم بقائها بتلك المثابة، كما هو الشأن في سائر الصفات والملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات والمجاهدات، وعدم أثر شرعي مهم لها يترتب عليها باستصحابها.
نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة وكانت كالولاية، وإن كان لابد في إعطائها من أهلية وخصوصية يستحق بها لها، لكانت موردا للاستصحاب بنفسها، فيترتب عليها آثارها ولو كانت عقلية بعد استصحابها، لكنه يحتاج إلى دليل كان هناك غير منوط بها، وإلا لدار، كما لا يخفى.
وأما استصحابها بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة من اتصف بها، فلا إشكال فيها كما مر (1).
ثم لا يخفى أن الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم، إلا إذا اعترف بأنه على يقين فشك، فيما صح هناك التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل، كما لا يصح أن يقنع به إلا مع اليقين والشك والدليل على التنزيل.
ومنه انقدح أنه لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوة موسى أصلا، لا إلزاما للمسلم، لعدم الشك في بقائها قائمة بنفسه المقدسة، واليقين بنسخ شريعته، وإلا لم يكن بمسلم، مع أنه لا يكاد يلزم به ما لم يعترف بأنه على يقين وشك، ولا اقناعا مع الشك، للزوم معرفة النبي بالنظر إلى حالاته ومعجزاته عقلا، وعدم الدليل على التعبد بشريعته لا عقلا ولا شرعا، والاتكال على قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه إلا على نحو محال، ووجوب العمل بالاحتياط عقلا في حال