يلازم احتمال المضرة، وإن كان ملازما لاحتمال المفسدة أو ترك المصلحة، لوضوح أن المصالح والمفاسد التي تكون مناطات الاحكام، وقد استقل العقل بحسن الأفعال التي تكون ذات المصالح وقبح ما كان ذات المفاسد، ليست براجعة إلى المنافع والمضار، وكثيرا ما يكون محتمل التكليف مأمون الضرر، نعم ربما تكون المنفعة أو المضرة مناطا للحكم شرعا وعقلا.
إن قلت: نعم، ولكن العقل يستقل بقبح الاقدام على ما لا تؤمن مفسدته، وأنه كالاقدام على ما علم مفسدته، كما استدل به شيخ الطائفة (1) (قدس سره)، على أن الأشياء على الحظر أو الوقف.
قلت: استقلاله بذلك ممنوع، والسند شهادة الوجدان ومراجعة ديدن العقلاء من أهل الملل والأديان، حيث إنهم لا يحترزون مما لا تؤمن مفسدته، ولا يعاملون معه معاملة ما علم مفسدته، كيف؟ وقد أذن الشارع بالاقدام عليه، ولا يكاد يأذن بارتكاب القبيح، فتأمل.
واحتج للقول بوجوب الاحتياط فيما لم تقم فيه حجة، بالأدلة الثلاثة:
أما الكتاب: فبالآيات الناهية عن القول بغير العلم (2)، وعن الالقاء في التهلكة (3)، والآمرة بالتقوى (4).
والجواب: إن القول بالإباحة شرعا وبالأمن من العقوبة عقلا، ليس قولا بغير علم، لما دل على الإباحة من النقل وعلى البراءة من حكم العقل، ومعهما لا مهلكة في اقتحام الشبهة أصلا، ولا فيه مخالفة التقوى، كما لا يخفى.