وفيه: مضافا إلى ما عرفت مما يرد على الوجه الأول، أنه لو سلم اتفاقهم على ذلك، لم يحرز أنهم اتفقوا بما هم مسلمون ومتدينون بهذا الدين، أو بما هم عقلاء ولو لم يلتزموا بدين، كما هو لا يزالون يعملون بها في غير الأمور الدينية من الأمور العادية، فيرجع إلى ثالث الوجوه، وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء من ذوي الأديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة، واستمرت إلى زماننا، ولم يردع عنه نبي ولا وصي نبي، ضرورة أنه لو كان لاشتهر وبان، ومن الواضح أنه يكشف عن رضى الشارع به في الشرعيات أيضا.
إن قلت: يكفي في الردع الآيات الناهية، والروايات المانعة عن اتباع غير العلم، وناهيك قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) (١)، وقوله تعالى: ﴿وإن الظن لا يغني من الحق شيئا﴾ (2).
قلت: لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك، فإنه - مضافا إلى أنها وردت إرشادا إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين، ولو سلم فإنما المتيقن لولا أنه المنصرف إليه إطلاقها هو خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره حجة - لا يكاد يكون الردع بها إلا على وجه دائر، وذلك لان الردع بها يتوقف على عدم تخصيص عمومها، أو تقييد إطلاقها بالسيرة على اعتبار خبر الثقة، وهو يتوقف على الردع عنها بها، وإلا لكانت مخصصة أو مقيدة لها، كما لا يخفى.
لا يقال: على هذا لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضا، إلا على وجه دائر، فإن اعتباره بها فعلا يتوقف على عدم الردع بها عنها، وهو يتوقف على تخصيصها بها، وهو يتوقف على عدم الردع بها عنها.
فإنه يقال: إنما يكفي في حجيته بها عدم ثبوت الردع عنها، لعدم نهوض ما يصلح لردعها، كما يكفي في تخصيصها لها ذلك، كما لا يخفى، ضرورة أن ما