الواقعي منها انصرافا، إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه، كما يمكن دعوى وجوده غالبا في كلام الشارع، ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل:
(يا أيها الناس اتقوا) و (يا أيها المؤمنون) بمن حضر مجلس الخطاب، بلا شبهة ولا ارتياب.
ويشهد لما ذكرنا صحة النداء بالأدوات، مع إرادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عناية، ولا للتنزيل والعلاقة رعاية.
وتوهم كونه ارتكازيا، يدفعه عدم العلم به مع الالتفات إليه، والتفتيش عن حاله مع حصوله بذلك لو كان مرتكزا، وإلا فمن أين يعلم بثبوته كذلك؟
كما هو واضح.
وإن أبيت إلا عن وضع الأدوات للخطاب الحقيقي، فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الإلهية بأداة الخطاب، أو بنفس توجيه الكلام بدون الأداة كغيرها بالمشافهين، فيما لم يكن هناك قرينة على التعميم.
وتوهم صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين، فضلا عن الغائبين، لاحاطته بالموجود في الحال والموجود في الاستقبال، فاسد، ضرورة أن إحاطته لا توجب صلاحية المعدوم بل الغائب للخطاب، وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى، كما لا يخفى، كما أن خطابه اللفظي لكونه تدريجيا ومتصرم الوجود، كان قاصرا عن أن يكون موجها نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة، هذا لو قلنا بأن الخطاب بمثل يا أيها الناس اتقوا في الكتاب حقيقة إلى غير النبي صلى الله عليه وآله بلسانه.
وأما إذا قيل بأنه المخاطب والموجه إليه الكلام حقيقة وحيا أو إلهاما، فلا محيص إلا عن كون الأداة في مثله للخطاب الايقاعي ولو مجازا، وعليه لا مجال لتوهم اختصاص الحكم المتكفل له الخطاب بالحاضرين، بل يعم المعدومين، فضلا عن الغائبين.